أثار البيان الذي أصدرته أمانة محافظة جدة حول سقوط "طفل ووالده" رحمهما الله في غرفة صرف صحي أمام أحد المراكز التجارية بشارع التحلية؛ ردود فعل غاضبة من قبل المغردين بمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، بسبب عدم تحمّل الأمانة مسؤولية الحادث، فحسب تصريح الأمانة فإن غرفة الصرف تقع داخل ملكية خاصة لا تخضع للإشراف أو المراقبة من قبل الأمانة، وهي من مسؤولية الجهة المالكة!

ويتساءل المغردون عن مسؤولية الأمانة حول الكشف عن الأخطاء الإنشائية والملاحظات الهندسية سواء داخل المركز التجاري أو خارجه، والتي تعتبر من أهم مهام المراقبين بالأمانة؟ وفي هذا الصدد كشف أحد القانونيين أن الأمانة مسؤولة بشكل مباشر عن الحادثة، وذلك بناء على النظام العام للبيئة.

حيث تنص المادة الرابعة من النظام على أنه يجب على: "كل جهة عامة اتخاذ الإجراءات التي تكفل تطبيق القواعد الواردة في هذا النظام على مشروعاتها أو المشروعات التي تخضع لإشرافها أو تقوم بترخيصها والتأكد من الالتزام بالأنظمة والمقاييس والمعايير البيئية المبينة في اللوائح التنفيذية لهذا النظام".

وبناءً على المادة السابقة، فإن الأمانة ملزمة بالإشراف على المشاريع التي تقوم بترخيصها، والتأكد من تطبيق المعايير البيئية، وبالتالي فإن المركز التجاري الذي وقعت عنده الحادثة مرخص له من قبل الأمانة، وإصدار التراخيص من أي جهة يقتضي متابعة مدى مطابقة تصرفات حامليها مع الأنظمة والتعليمات.

وهذا الأمر يتطلب الرقابة والتفتيش على هذه التصرفات وفرض الغرامات اللازمة أو إيقاف الترخيص والحفاظ على صحة البيئة، والسؤال المطروح هنا: هل اشتراطات تراخيص الأمانة تتضمن شرطاً يتعلق بالتقويم البيئي لمشروع طالب الترخيص؟.. هذا من جانب. ومن جانب آخر، هل نماذج الإشراف والمراقبة الخاصة بالأمانة تتضمن بنوداً تتعلق بالمقاييس والمعايير البيئية الواردة في النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية، حتى يتم التأكد من تطبيقها على أرض الواقع؟

إذا أردنا أن نتعرف أكثر على مسؤولية الأمانة وغيرها من الجهات الحكومية تجاه "حادثة التحلية"، ونفهم أكثر بيان الأمانة السابق؛ فمن الضروري الرجوع إلى نظام مياه الصرف الصحي المعالجة وإعادة استخدامها، ولائحته التنفيذية، التي حلت محل لوائح الاشتراطات الفنية للتخلص من مياه الصرف الصحي غير المعالجة (الخام)، وذلك على النحو التالي:

تنص الفقرة (4-4) من المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية للنظام على ما يلي:

-يجب الحصول على ترخيص من وزارة الشؤون البلدية والقروية لإنشاء خزان تحلل أو تجميع لمياه الصرف الصحي.

-يمنع إنشاء خزان تحلل لمياه الصرف الصحي للمجمعات الكبيرة. ويقصد بخزان التحلل حسب اللائحة التنفيذية (البيارة) -أكرمكم الله- وهي عبارة عن خزان يحفر في باطن الأرض لاستيعاب مياه الصرف الصحي.

وبناء على نص الفقرة السابقة من اللائحة، فإنه يتضح أن الأمانة مسؤولة بشكل مباشر عن غرفة الصرف الصحي بالمركز التجاري إذا كانت عبارة عن خزان لمياه الصرف بالإضافة إلى أن المركز يعد مجمعا تجاريا، ناهيك عن مسؤولية الحفاظ على البيئة التي تم استعراضها آنفاً، ولكن لماذا نفت الأمانة هذه المسؤولية وذكرت بأن غرفة الصرف ملكية خاصة؟ فصاحب الترخيص حسب تعريف اللائحة يعني: "الشخص الذي يحصل على الترخيص من الجهة المختصة لتنفيذ عملية أو عمليات ذات علاقة بالصرف الصحي أو تصريفها أو إعادة استخدامها"!

الإجابة عن السؤال السابق نجدها في المادة (19) من اللائحة التنفيذية لنظام مياه الصرف الصحي، التي تضمنت أن من مهام المراقبين ما يلي:

-للمراقبين التابعين لوزارة المياه والكهرباء دخول المباني التي تقدم خدمات عامة للجمهور مثل (المطاعم، ومغاسل السيارات والفنادق..إلخ) بقصد التفتيش والمراقبة وأخذ العينات المتعلقة بالتصريف.

-للمراقبين التابعين لوزارة المياه والكهرباء دخول المجمعات السكنية والخاصة والأهلية والحكومية بغرض التفتيش لمحطات الصرف الصحي الموجودة فيها.

وعلى هذا الأساس، ذكرت الأمانة أسباب عدم رقابتها على غرفة الصرف الصحي التي وقعت فيها الحادثة المشؤومة والأليمة بسبب وقوعها ضمن الملكيات الخاصة وفي نفس الوقت أغفلت دور وزارة المياه والكهرباء ونسيت أن تقول إن ذلك من اختصاصاتها!! ربما خشية أن تقع في حرب تبادل اتهامات بينها وبين وزارة المياه والكهرباء.

لا أعلم من اخترع عبارة "الملكيات الخاصة وليس من اختصاصي" في قاموس البيروقراطية، فهي تتكرر عند وجود مشكلة أو مأساة، وذلك للعلم مسبقاً بوجود جهة حكومية أخرى تختص بالرقابة أو إصدار التصاريح في نفس المجال.

بالإضافة إلى ما سبق، فإني أتساءل عن دور وزارة المياه والكهرباء في الرقابة على مياه الصرف الصحي في الأسواق والمراكز التجارية؟ فهل توجد تقارير وجولات رقابية تفتيشية أو إجراءات إدارية تتعلق بتنظيم المهام الواردة في المادة (19) من اللائحة التنفيذية سالفة الذكر؟ أم أن العذر موجود وجاهز وبالتالي فإن غرفة الصرف تقع ضمن الملكيات الخاصة وبالتالي فإنها من اختصاص الأمانات والبلديات؟!

بالرغم من أن نظام مياه الصرف الصحي ولائحته التنفيذية، وكذلك النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية، جميعها أوضحت طبيعة دور كل جهة حكومية مختصة إلا أنه يبدو أن هذه الأنظمة غير مفعلة على أرض الواقع، ولا توجد آليات أو إجراءات إدارية منظمة للأهداف والتنظيمات الواردة في هذه الأنظمة، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة، وقد ترتب على ذلك وجود مخاطر تتعلق بالأمن والسلامة، ومخاطر تلوث البيئة وعدم ضبط المخالفات والتجاوزات من قبل المؤسسات التجارية أو حتى الحكومية.

في النهاية، أتساءل عن دور الجهات الرقابية في تطبيق الأنظمة واللوائح على أرض الواقع؟ فهل هذه الجهات غائبة أم أن ليس لها دور في هذا المجال أيضاً؟

أعتقد أن المجتمع بأكمله مسؤول عن "حادثة التحلية"!