يصلها الكثير من الاستنكار، لم الرسم بالقهوة التركية؟ لكن السؤال المنطقي هو: ما الذي يمنع أن أرسم بالقهوة التركية أو أي خامة من الطبيعة؟ إن كل مرحلة نعيشها هي مرحلة مفتوحة على احتمالات عديدة في صناعة الفن، حتى وإن رفضنا بالفطرة ما هو مختلف عن السائد لأننا تعودنا على كل ما هو موروث حتى تحولت العادة إلى إعجاب دون أن ندرك حقيقة إعجابنا إن كانت مرتبطة بقناعة وتذوق أم لا!

هكذا تتعاطى الفنانة التشكيلية نور هشام السيف مع استفهامات المتسائلين، وكان ولا يزال لديها قناعة أن الفن هو مرسى الحالمين والطامحين والمتمرسين في تشكيل الرسالة وإخراجها بشفافية ممزوجة بالمتعة وبلغة خطابية أقل. على حد تعبيرها.

إيمانها بأن الفن مسار أو مهنة قائمة على منطق التجريب، منطق يفتح النوافذ على آفاق جديدة، قائلة لـ"الوطن" وهي تتابع: وإلا توقف التمثيل لدى مارلون براندو والرسم على دافنشي والنحت على مايكل أنجلو والشعر على لوركا والأدب على هيجو مثلا، من هذا المنطلق استخدمت خامات طبيعية في الرسم طالما أن هذه الخامات تستطيع أن توظف جماليات اللوحة بشكل مشروع وتخدم الرسالة المقصودة منها، فنحن لا نتشرب المعنى إلا بالتجريب مرارا، التجريب في المرحلة الأولى غالبا ما يكون مليئا بـ (الاندفاع الرومانسي)، في البدء تنجز مشروعا فنيا وتشعر من خلاله أنك جزء من التغيير والتطوير في هذا العالم، وقد يخبو هذا الحماس العاطفي مع الوقت ويتحول إلى تراكم نوعي لكن لا يسقط منه أبدا الهدف النبيل.

تقول السيف: في الصغر كان الفن هو تسليتي ودميتي ورفيقي والكراسة الصغيرة هي إكسسواري لا أفارقها أينما توجهت، كنت أقرأ الوجوه وأمرن ذاكرتي الانفعالية لاحقا على استحضارها، وأحاول أن أجسدها على الورق، أذكر أن أول بورترية نفذته كنت في عمر الـ 7 سنوات للفنانة الراحلة "مديحة كامل"، لم يتطلب لفتاة في عمري آنذاك أي مجهود فقد كنت معجبة بجمالها ومتابعة جيدة لأعمالها فحفظت ملامحها عن ظهر قلب، بعدها تجولت باللوحة الصغيرة بين أهلي وأقاربي ومعلمات المدرسة أطلب منهن التخمين من هي صاحبة الصورة؟ وكل ما أتى أحدهم بالإجابة الصحيحة كنت أشعر بالانتصار، تأثرت في صغري بمدرسة فناني مصر والشام وتحديدا: فريد فاضل، صلاح طاهر، محمود سعيد، عمر حمدي، كنت حريصة على متابعتهم والاحتفاظ بقصاصات أعمالهم من المجلات الثقافية، من جانب آخر كان إدراكي بالحركة التشكيلية على المستوى المحلي شبة معدوم! حتى جاءت المرحلة الجامعية وكان الاختبار العملي للقبول في قسم التربية الفنية عبارة عن رسم حر خلال فترة زمنية قصيرة جدا، أخذت القلم الخشبي الأزرق ورسمت بورترية بشكل سريع لملامح رجل ريفي يرتدي العمامة، دون أي دراسة تشريحية.

وتضيف السيف التي شاركت في العديد من المعارض الفنية في المنطقة الشرقية وخارجها، وتحمل عضوية "جمعية جسفت، وجمعية التشكيليين في البحرين"، إنها بدأت بالتعرف على المناخ التشكيلي المحلي خلال فترة الدراسة، لكن "آفاقي مازلت تحلق في مشاهد وصور خارج الحدود الجغرافية، لذلك اتجهت لكل ما هو جريء وبعيد عن التراث، هو ليس رعونة غير مسؤولة بقدر ما هو جهاد وإصرار على تحريك المياه الراكدة وربما قد دفعت الثمن بعد ذلك في إقصاء أعمال كثيرة في أغلب المشاركات الفنية، اتجهت بعد التخرج إلى تصميم العبايات لمدة سنتين 2004_2006 ثم اشتركت في دوارت صيفية قصيرة لتعزيز ثقافتي في التصوير التشكيلي، حتى جاءت العودة للفن في 2010 البورترية هو عنواني ..هويتي ..وجوه الآخرين وأعينهم هما نافذتي للعالم، من جانب آخر لم يكن الأمر سهلا، فاليد قد فقدت مرونتها وأضاعت أساليبها الفنية عدت للتمرين السريع من خلال التشكيل بالفحم، أذهب للتجريد قليلا حينما تفرض علي اللوحة ذلك، لكن الإنسان بصورته الواقعية والتأثيرية يبقى أيقونة أعمالين بعدها وظفت البورترية في أعمال خارج إطار اللوحة العادية فبعد مراحل الجواش والزيتي والفحم أصبحت أمارس البورتريه من خلال الحفر على السيراميك كثيرا، والآن أمارسه بالحبر الجاف والقهوة التركية والشوكولاته.