اتكأ الشاعر الأمير خالد الفيصل، في قصيدته الأخيرة على الموروث الديني في تصوير مواجع العرب في الوقت الراهن، وما حل بهم من ويلات ومصائب مستخدماً كلمة "أعتكف، والاعتكاف لغة "افتعال من عكف على الشيء يعْكُف ويعْكِف عكفاً وعكوفاً وهو يأتي متعديا ويكون مصدره العكف، ولازم ويكون مصدره العكوف.
يلجأ الشاعر في اعتكافه الفكري إلى القصائد؛ لأنها الوحيدة القادرة على نقل أحاسيسه بدقة وفي لحظة حدوثها التي لا تحتمل التأجيل، وتصوير الحالة المشهدية التي يراها، وليفرغ عبر قوافيها ما لا يحتمله صدره، فالقصيدة الوحيدة التي تقف في ذاكرته مصورة الفرح بصياغة حروفية ناطقة، وكذا الحزن يصوره بصورة فجائعية ينز الوجع من صدرها وعجزها.
"لولاي أوسّعْ خاطري بالقصايدْ
أبثّها وجْدي وهمِّي والاحساسْ"
وهنا يؤكد الشاعر على أن همّ الناس همه لا يمكن له تناسيه، أو الانفصال عنه، حتى لو اعتكف فكره على"راس نايد" رأس جبل مرتفع "والنايد هو الجبل" كدلالة بعد المسافة كيلا ترى عينه الغثاء الداخلي "غثا النفس" ولا غثا غيره – الناس- ويؤكد ذلك بقوله:
"كان اعتكفْ فكري على راس نايد
حتّى يجنّبني غًثا النّفْس والنّاسْ".
يتساءل الشاعر مستغربا كيف أضحت ومضات وقته شاردة، ومضات الشاعر في حالة ترحال دائمة، تشرد لتصوير حالة اليأس، والفرح في قلوب ومشاعر الناس، وتتراءى له من كل مكان في صورة نار كاوية وكأن "محماسا" يحركها عن بعد دلالة الأيدي الخفية التي تعبث وتتلاعب بمصائر الناس، بقوله:
"واشوفها منّا ومنّا وقايدْ
ضوِّّ يحرِّكْها من البُعْد محماسْ".
يجرُّ آهة على الأمل الذي كان يجمع العرب على أمل الوحدة وجمع الصفوف، لكن بدأت الرياح تذروه، وتصوير الندم الذي لم يعد يجدي، فشبّهه كمن يضرب أخماسا بأسداس إذ يقول:
"أمس الأمل في وحْدة العُرْب سايدْ
واليوم راحتْ كلّها اخْماسْ واسْداسْ".
وفي التقاطة صوريّة جميلة، يقول: "تنافرت" دلالة التباعد الناتج عن البغض الذي استقر في النفوس، وتناثرت كالرمال في أغلب جغرافية الوطن العربي بقوله:
" وتنافرتْ حبّات حبات هاك القلايدْ
وتناثرتْ تحت الذّواري بالاطْعاسْ".
وتصور القصيدة دور الغرب في عملية التفتيت؛ لأنه المستفيد الوحيد من حالة الاقتتال بين الطوائف، والقبائل، والأعراق، من أجل الاستحواذ على الأرض وما فيها من خيرات في آن معاً، وكأن الشاعر يشير إلى "سايكس بيكو" جديد تحاك للعرب في الخفاء من خلال تأجيج التناحر بين سكان البلد الواحد كما صوّره البيت التالي:
"وتبدّدتْ أرض العروبة بدايدْ
بين الطوايف والقبايل والاجْناسْ"
ويرصد الشاعر كيف يسعى الأغراب لتقاسم الغنائم، حيث كل طرف منهم حدد قسمة له تتناسب ومصالحه، وتصوير حالة الحزن التي انتابته وهي تبدل جغرافية البلد الواحد وهي تقطّّع بفعل المحاصصة.
"وتقاسم الأغْراب فيها الفوايد
كلٍّ خذا في ساحة العُرْب مرْواسْ".
وهو يصوغ قصيدته، يصور لنا طعم الدفلى المستقر في الحلق جرّاء ما يجري على أرض العروبة من تآمر أتى على الأخضر واليابس في بعض الأقطار متزامناً مع صمت خجول للضمير العالمي، مؤكداً بقوله لم يجد مقاساً ومكيالاً لمواجع العرب، كدلالة كبر وحجم المأساة:
"أنا ادري ان المُرّ بالحلق كايدْ
لكن مواجيع العَرب مالها قْياسْ".