كتب المدير الإداري لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مايكل سينج، تحليلاً سياسياً عن أزمة الاقتصاد في الشرق الأوسط، نشره المعهد بتاريخ 19 أغسطس الحالي، قال في مستهله إن الرئيس الأميركي باراك أوباما فاجأ الكثيرين مؤخراً حين شخَّص الأزمة التي تعصف بالعراق بأنها جزء من محنة اقتصادية، مشيراً إلى أن السنة العراقيين كانوا "منفصلين عن الاقتصاد العالمي"، ولهذا أخفقوا في تحقيق طموحاتهم. ومع أن حالة الاضطراب والفوضى في العراق تأتي من عدة مصادر، إلا أن الرئيس الأميركي لم يخطئ؛ فليس السنة العراقيون وحدهم هم المعزولون عن الاقتصاد العالمي، بل الشرق الأوسط بأكمله.

وتنفرد المنطقة بنسبة واردات تزيد بقليل عن 4% من الواردات العالمية، وهي نسبة أقل من تلك المسجلة في عام 1983؛ علماً بأن ألمانيا وحدها تسجل نسبة 6.4%. ويبرز ركود المنطقة الاقتصادي بشكل واضح عند مقارنتها بالاقتصادات الآسيوية. فوفقاً لتقارير "البنك الدولي"، بلغ نصيب الفرد المصري من "الناتج المحلي الإجمالي" 406 دولارات في عام 1965 بينما كان نصيب الفرد في الصين 110 دولارات فقط.

واليوم -باستخدام السعر الثابت للدو?ر-، ارتفع نصيب الفرد المصري من الناتج المحلي الإجمالي أربعة أضعاف ليصل إلى 1566 دولاراً، بينما زاد نصيب الفرد في الصين 30 ضعفاً ليبلغ 3583 دولاراً. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران وكوريا الجنوبية، حيث كان نصيب الفرد من "الناتج المحلي الإجمالي" هو نفسه تقريباً في كلتا الدولتين في عام 1965، أما اليوم فارتفع نصيب الفرد في كوريا الجنوبية إلى 24 ألف دولار، في حين أصبح مثيله في إيران 3000 دولار فقط.

ولا تعاني دول منطقة الشرق الأوسط من انفصال اقتصادها عن العالم فحسب، بل هي معزولة عن بعضها البعض أيضاً. فمعظم الصادرات في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا تبقى في تلك المناطق، وثلثا الصادرات إلى أوروبا تأتي أيضاً من أوروبا. ولكن في الشرق الأوسط، تأتي نسبة 16% فقط من صادرات دول المنطقة ككل من دول أخرى في الشرق الأوسط.

وفي حين يركز المراقبون الغربيون على القضايا السياسية في الشرق الأوسط، ينشغل أهل المنطقة أنفسهم بالشؤون الاقتصادية. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجري مؤخراً، ترغب غالبية سكان قطاع غزة بالهدوء مع إسرائيل وبفرصة البحث عن عمل هناك. وفي استطلاع رأي آخر، يضع الإيرانيون "تعزيز فرص العمل" على رأس أولويتهم السياسية، وهي نسبة أعلى بكثير من "استمرار برنامجنا للتخصيب النووي". ولكن في حين يأمل سكان غزة بإنهاء الحصار المفروض عليهم ويتطلع الإيرانيون إلى رفع العقوبات، لن توفر أي من هاتين الخطوتين حلاً سحرياً للمشكلة. فالضيق الاقتصادي متوطن في المنطقة، حتى في المناطق التي لا تعاني من الحصار أو العقوبات.

لا بد لصانعي السياسات الغربيين أن يهتموا لهذا الأمر. فالفصل بين المشاكل الاقتصادية والسياسية غير صحيح. فكما في أي مكان آخر، يرتبط الاقتصاد بالسياسة ارتباطاً وثيقاً، ويعتبر التقدم الاقتصادي العامل الرئيس للحد من انعدام الاستقرار المزمن الذي يهدد المصالح الأميركية في المنطقة.

وعلى صعيد الدول المستوردة للنفط، تقع القطاعات العامة المتضخمة في صميم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وفي دول مثل مصر، حيث يستخدم القطاع العام نحو 30% من الموظفين، سعت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة -في إطار سعيها لإجراء إصلاحات اقتصادية سريعة- إلى زيادة اليد العاملة والرواتب في القطاع العام. وتأتي الإعانات الحكومية السخية، وخاصة فيما يتعلق بالوقود، لتشجع الاستهلاك المفرط وتعطي الأفضلية للقطاعات الصناعية غير الفعالة التي تستهلك كمية كبيرة من الطاقة. وإلى جانب الأجور الضخمة للقطاع العام، ترهق هذه الإعانات كاهل مالية الحكومة وتسبب حدوث عجز في الموازنة العامة، الأمر الذي يزيد بدوره من تكلفة الاقتراض.

وهذه السياسات، إلى جانب العقبات التي تعترض ممارسة الأعمال التجارية، تمنع أنشطة القطاع الخاص التي من شأنها تعزيز النمو والعمالة. فنسبة البطالة في دول المنطقة - وخاصة بين الشباب- تعتبر في كثير من الحالات أعلى مما كانت عليه عند انطلاق شرارة الانتفاضات العربية، في الوقت الذي تتباطأ فيه وتيرة النمو الاقتصادي إلى حد يمنعه من عكس هذا الاتجاه.

ولا تقتصر هذه المشاكل على الدول المستوردة للنفط؛ فقد حذر "صندوق النقد الدولي" من أن السنوات التي شهدت فيها الدول المصدرة للنفط فوائض ضخمة تشرف على نهايتها نتيجة لتنامي عدد السكان وتضخم إنفاقهم. وهذا الأمر يجعلها في وضع أكثر هشاشة وعرضة للانخفاض في أسعار النفط، وهو احتمال يبدو مرجحاً على نحو متزايد مع دخول مصادر جديدة إلى الساحة الدولية.

ومع ذلك، من الممكن معالجة هذه المشاكل الاقتصادية. فبخلاف المعضلات السياسية التي تواجهها المنطقة -والتي غالباً ما تبدو مستعصية- ليس بوسع الغرب مد يد المساعدة فحسب، بل إن القادة الإقليميين مستعدون لتلقي المساعدة. والأردن خير مثال على ذلك: ففي خضم فوضى الانتفاضات العربية، نفذت عمان وبهدوء إصلاحات صارمة بمساعدة من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي.

ولا بد للدول المستوردة للنفط أن تستبدل الإعانات النفطية المكلفة بمساعدات هادفة للفقراء وإقامة شبكات أمان اجتماعية. وتحتاج أيضاً إلى تخفيف اعتمادها على المساعدات الخارجية والحد من الفساد وإجراء تغييرات تنظيمية لتشجيع نمو القطاع الخاص. ومن جهتها، تحتاج الدول المصدرة إلى خفض إنفاقاتها وتنويع اقتصادياتها. كما يجب على المجموعتين تقليص حجم القطاع العام لديهما وتحديث نظمها التعليمية.

ولا يجدر بالولايات المتحدة وحلفائها الاكتفاء بإعطاء المشورة حول كيفية تخطي هذه التحديات فحسب، بل عليهم أيضاً تحفيز الحكومات الإقليمية على تقبلها. ويعني ذلك العمل مع الحلفاء الإقليميين الذين يسعون إلى تنويع اقتصاداتهم وتحديثها، وتنسيق المساعدات الاقتصادية وربطها بالتقدم في مجال الإصلاح، بما في ذلك اتخاذ الخطوات السياسية اللازمة لنجاح الإصلاحات.

يجب على الولايات المتحدة أن تشجع الاندماج الاقتصادي الأكبر من خلال التعاون مع الدول الغنية المنتجة للنفط على الاستثمار في ازدهار جيرانها الأكثر فقراً، ومن خلال تزويد دول الشرق الأوسط بإمكانية نفاذ أفضل إلى الأسواق الغربية، وخاصة الاتحاد الأوروبي.

وصحيح أن النصائح التي تحث الولايات المتحدة على "فعل المزيد" في الخارج غالباً ما تنتقد باعتبارها دعوات مستترة لاستخدام القوة العسكرية، إلا أن دمج فن الحكم الاقتصادي في الدبلوماسية من شأنه أن يساعد على تعزيز دور أميركا الدولي خارج الإطار الأمني بطريقة تعزز السلام والاستقرار على المدى الطويل.

ومن السذاجة الاعتقاد بأن النمو الاقتصادي سوف يحل جميع المعضلات الشائكة في الشرق الأوسط؛ ولكن من السذاجة أيضاً الاعتقاد أنه بإمكان حل تلك الأزمات في غياب الازدهار الاقتصادي.