ابتكر الفينيقيون سكان شرق البحر الأبيض المتوسط قديماً، ما أُطلق عليها لاحقاً الألعاب الأولمبية، ليحمل الإغريق بعدهم رايتها ويبدعون في تقديمها للعالم، ولتتطور اليوم إلى تجمع رائع وعظيم ينبض بالحياة لرياضيي العالم ومحبي الرياضة، وتتويج للروح الرياضية وسمو أخلاقها وأهدافها، ويسجل التاريخ أن الطاهي "كوربوس" كان أول بطل في سباق الركض، وهو السباق الوحيد الذي احتوته أول ألعاب سجلها التاريخ.
اليوم باتت صناعة الأبطال من الرياضيين لعبة تقنية لها أسسها وبرامجها الاحترافية، الساعية لتقديم النماذج البشرية الرياضية في أعلى قدراتها، كدليل على قوة إمكاناتها الجسدية والروحية والأخلاقية أيضاً، ولا تكتمل صناعة الأبطال إلا بوجود الموهوبين المؤهلين لتقديم نتائج قوية، كمردود إيجابي يتوافق مع برامجها وتدريباتها، وتعتبر المملكة حالياًّ من الدول الصاعدة بشكل جيد يدعو للتفاؤل بمستقبل كبير، فالخامة المطلوبة لتلك الصناعة متوفرة ومتنوعة بكثرة، ولا تحتاج إلى أكثر من الرعاية والاهتمام لتعلن عن نفسها ببهاء منقطع النظير، ولتحصد الميداليات الذهبية والمراكز الأولى، وتسجل الأرقام القياسية الخليجية والعربية والقارية، والأمثلة كثيرة على وفرة النوعية المطلوبة لوضع بصمة على صفحات تاريخ الرياضة المختلفة العالمي، وسجل لاعبي ألعاب القوى السعوديين من القدامى والحاليين من أمثال "سعد شداد، وهادي صوعان، ومحمد الصالحي، وياسر ناشري، وحسين السبع، ويوسف المسرحي.. وغيرهم"، يشهد على وجودها.. وعلى قدر المنجزات يُكرم أبطالها بما يليق بهم، وبما أنجزوه من مركز وقمة، وما قدموه وما بذلوه من جهد استحقوا مقابله الاحتفاء والتكريم، وهو في الواقع فعل واجب أخلاقي نحو من أدوا الدور المُلقى على عاتقهم بنجاح كبير ومميز.
الثلاثاء الفائت كنت منسقاً بالتعاون مع الشؤون الإعلامية بإمارة منطقة جازان لجلسة أميرها صاحب السمو الملكي محمد بن ناصر، الدورية مع المواطنين، التي انعقدت تحت عنوان (الرياضة في جازان.. الواقع والمستقبل)، نوقش في نصفها الأول محور هموم الرياضة والرياضيين بالمنطقة، وخُصص قسمها الثاني لحفل تكريم رسمي مرتب وكبير للعداء الذهبي السعودي العالمي "يوسف المسرحي" صاحب الميدالية الذهبية والرقم القاري الجديد بالألعاب الآسيوية بمدينة "إنشون" الكورية الجنوبية، وهو وضع طبيعي يليق بالعداء ومنجزاته، وخطوة في الاتجاه الصحيح بالشكل الصحيح أيضاً، تشجع الشباب والرياضيين على استثمار طاقاتهم فيما يسهم في بناء وطنهم، والحصول على مكانتهم الرفيعة فيه، وقد جاء ذلك كردة فعل عملية لما حققه العداء "مسرحي"..
وأرى في ذلك قبلاً وبعداً درساً لبعض الجهات والمؤسسات الإعلامية، التي لا ترى مسألة تكريم الأبطال إلا من زاوية ضيقة وبدائية جداً، لا تعبر عن مهنية محترفة ورزينة، ولا تعكس كامل جوانب الحدث، بقدر بحثها عن إثارة مفتعلة أحياناً لما يُعتقد أنه "سبق صحفي"! معتقدة أن في العزف على وتر العوز والحاجة والإنسانية، وإظهار جانب الصورة الأسوأ، وتبني مبدأ الاستجداء والاستعطاف؛ طريقة مثلى للاحتفاء بالأبطال ومكافأتهم، وهذا يشبه تماماً "الاصطياد في الماء العكر"، لأنها تستغل لحظة ضعف ما بانتهازية، وتهمل على الجانب الآخر الموضوع الأكثر أهمية وبروزاً، المتمثل في حقيقة أن لدينا بطلا ونجما ومنجزا، ثم تغض الطرف عن حجم الحدث والإنجاز ولا تقيم لتأثيرهما الإيجابي على سلوكيات شريحة الشباب والمبدعين في المجتمع!
وهذا التوجه الإعلامي - من وجه نظري الشخصية - لا ينتمي إلى مدرسة الإعلام عريض الوعي، فعائدات الضرر الذي ينتجه في الغالب أعلى من نسبة عائدات الفائدة، وما يترتب عليه من نظرة شخصية اجتماعية تكون مغلوطة إلى حد بعيد أحياناً، وتعكس حالة ضعف الثقة في المجتمع ومؤسساته من وجهة نظر بعض المؤسسات الإعلامية، لأنها تطبق المعايير نفسها على كل الحالات دون تفريق على ما يبدو! وأجدني أقول: يا هؤلاء؛ قد يحدث التقصير والتأخير أحياناً.. هذا صحيح، لكن الذهاب بعيداً في تشويه الصورة من أجل خبر صحفي ليس منطقيا، و"ما هكذا تورد (يا بعض الإعلام) الإبل".