أعد البروفيسور مرهف جويجاتي، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بمركز الشرق الأوسط وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية (نيسا) التابع لجامعة الدفاع القومي في الولايات المتحدة، دراسة نشرتها شبكة "مبادرة الإصلاح العربي" في شهر أغسطس الحالي، استنتج فيها أن نظام بشار الأسد سيزول، رغم أن سيطرته ما زالت قائمة. وركز جويجاتي بشكل خاص على القطاع الأمني الذي كان الأداة الرئيسة لاستمرار الأنظمة المتعاقبة خلال خمسة عقود منذ استيلاء حزب البعث على السُلطة في سورية. ولذلك يرى أنه لا بد من إصلاح القطاع الأمني السوري في حقبة ما بعد الأسد.
يقول جويجاتي: بعد ما يقارب نصف قرن من حُكم النظام الدكتاتوري في سورية، انفجرت انتفاضة شعبية في مارس 2011. وبعد أن تعرض النظام لانتكاسات مبكرة في مطلع الانتفاضة خسر فيها السيطرة على معظم مناطق البلاد، استعاد النظام توازنه في مواجهة معارضة مفتتة. ومع ذلك، ورغم مظاهر القوة العسكرية التي تبدو عليه، فلا مناص من استبدال نظام بشار الأسد الذي يحكم مناطق مدمّرة ومنقسمة بحكومة أكثر شرعية منه.
لقد اكتسبت سورية بجدارة، تحت حُكم الأسدين، سمعتها كدولة مخابرات قمعية، تحكمها أجهزة أمنية داخلية قمعية وطائفية واسعة الصلاحيات ومتداخلة فيما بينها، محصنة من أي مساءلة وتقدم تقاريرها مباشرة لرئيس الجمهورية.
ومن هذا المنطلق، يبقى إصلاح القطاع الأمني عاملاً رئيساً في وضع الأسس الشرعية للنظام السياسي ما بعد الأسد، الذي سوف يلتزم بمطالب الثورة، ويؤسس لدولة مدنية ديموقراطية تعدّدية، يكون فيها جميع المواطنين متساوين أمام القانون. وينبغي أن تعود السلطة التي تتحكم في القطاع الأمني للشعب عبر ممثليها المنتخبين، فلا تكون ثمة مؤسسات أمنية خارج القانون.
وينبغي أن تكون القوات المسلحة كذلك تحت إمرة السلطة المدنية، وتخضع لوزير الدفاع المدني. وينبغي إعادة تشكيل أجهزة الضابطة العدلية كلها بحيث تكون جزءاً من الشرطة المدنية وتخضع لوزارة الداخلية. كما ينبغي أيضاً إعادة تشكيل أجهزة المخابرات بحيث تفصل بين الأجهزة الداخلية والخارجية.
ولا شكّ أن هذه الإصلاحات سوف تشكّل تحدّيات كبرى أمام أي حكومة جديدة تعمل على استعادة الاستقرار. ولسوف تتعرض هذه الحكومة إلى الكثير ممن يريد وضع العصي في الدواليب من مناصري النظام القديم أو المجموعات المتطرّفة التي ازدهرت خلال الصراع. وسيكون هذا الأمر حدثاً مهماً، خاصّة أنّ النظام الأمني تحت حكم الأسد كان يبدو وكأنه يسعى إلى وضع حد لعدم الاستقرار الذي كان سائداً قبل حكم الأسد، وميّز السياسة السورية وقتها. وسيكون القطاع الأمني الجديد بعد زوال الأسد أساسياً في عملية بناء نظام سياسي خال من الانقسام المذهبي أو العرقي.