ليس صحيحا أن الإنسان الذي لا يعيش في منطقة حروب وقلاقل لا يعيش الخوف، فإن لم يكن الخوف من الموت، الذي عادة ما يتحقق في ظروف الحرب والقتال فإنه الخوف باعتباره شعورا إنسانيا له العديد من المسببات والمكامن والأوجه ربما نعي بعضها وربما لا نعي خطورة بعضها الآخر والمتجذر في اللاوعي لدينا، فنعيش حالة القلق التي لا نعرف أسبابها أو حالة الاضطراب التي نعتقد أن مسبباتها أمور أقنعنا المجتمع بها.

كلنا نخاف في اليوم مئة مرة دون أن نسميه خوفا، ولهذا انعكاس سلبي متجذر في النفسية التي هي رأسمال إنسانيتها، فنمضي في يومنا نقابل الناس ونتعامل معهم ونبني علاقاتنا بهم، نبتسم في وجوههم وفي الوقت ذاته نتوجس منهم، فقط لأن الشك في كثير من الأحيان تغلب على ما تبقى ما في أنفسنا من يقين بالثقة.

نخاف من أن نتعرض لحادث سير في الطريق، فتشتعل كل حواسنا الإدراكية ونمضي، فندخل مكتبنا خائفين من تأنيب المدير على تأخرنا عن الوقت المحدد للدوام، نجلس على مكتبنا فنخاف أن نفتح الإيميل لكي لا نقرأ رسالة لعميل مستاء أو رئيس غاضب أو قريب معاتب.

الزوجة تخاف أن تخرج دون رضا زوجها فتتحول إلى سجينة خائفة في مملكتها الصغيرة، والزوج يخاف أن يتحدث في كل شيء خوفا من أن يكون لصراحته الساذجة انعكاس سلبي على نفسية زوجته، والأخ لا يثق في أخته فيخاف أن يكون كما هو على حقيقته، والأخت لا تصارح أحدا لأنها تعتقد أنها متمردة فقط لكونها أعجبت في ممثل وسيم.

لو كل واحد فينا تعمق في نفسه الدفينة لاكتشف أنه وبتعريف بسيط (جبان) رغم كل قوته وكل عنجهيته وتسلطه على محيطه، فهيمنة الخوف باعتباره الشعور الإنساني الأكثر قدرة على تحطيم الذات، هو في الحقيقة المتحكم الأهم في حياة كل واحد فينا والمسيطر على كل تصرفاتنا المدركة واللامدركة.

ولكن هل نستطيع أن نعيش دون خوف؟ والجواب بكل بساطة يكمن في رغبة الطرف الآخر في إشعارك بالأمان، فما دمت أسير عقلية ونفسية طرف آخر فإنك ستبقى تأمن وتخاف وفق القدر الذي يسمح به الآخر، فإن أصبح المدير مرنا وإن أصبح الأخ منفتحا مع أخته وإن خفف الزوج جبروته؛ حينها ربما يخف الخوف ونكون أكثر أمانا مع أنفسنا.