كل الحروب تردي قتلى إلا الحروب الفكرية تردي جهلاً..
في كل حرب يكون الهدف الرئيسي "قتل" الخصم، إلا في الحرب الفكرية يفترض أن يكون الهدف الرئيس فيها "تصحيح" فكر وتوثيق معلومة.. والانتصار للعقل.
كل المعارك مكروهة إلا المعارك الثقافية.. إذا بقي الخصوم في ميدان الثقافة والفكر وحدود الأدب، ولم يتجاوزوها إلى ميادين الشخصنة.
صحيح أن "الأنا" قد تجر صاحبها إلى "المعاندة" وعدم تقبل الرأي الآخر؛ لأن مريض "الأنا" يعتقد أن الاقتناع بالرأي الآخر هزيمة له، بينما الحقيقة أنه هزيمة للخطأ، ولو اقتنعنا "فعلاً" كما نردد "قولاً" بأن الخلاف رحمة، لخرجنا جميعنا من معاركنا الفكرية منتصرين بالحق والعقل.
كانت المجلات الثقافية ساحة للمعارك الفكرية والمساجلات الثقافية، لكن لم يعد للفكر ميدان تتناطح فيه الأفكار لتولد أفكاراً جديدة أو لتنتصر للحقيقة والعقل على "الإشاعة" و"الجهل".
فالصفحات الثقافية قليلة وضعيفة، ووقعت تحت سيطرة أخبار العلاقات العامة، والمجلات الثقافية غابت عن المشهد في عصر التقنية الحديثة.. حتى المنتديات والملتقيات أضحت بلا حضور..!
ولم يبق ميدان للمعاركة الثقافية إلا الزوايا الصحفية بضعف، ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً "تويتر" بقوة وحضور كثيف اختلط فيها المثقف بالجاهل، والمتخصص بالمتطفل.. والصادق بالكاذب.. والصريح بالمستعار... فاختلط الحق بالباطل.. وضاعت هيبة الحوار.. وتوحدت كل المعارك في ميدان "الشخصنة"..!
"تويتر" منحنا منصة لممارسة الهوايات.. لكن ليتنا نمارس الهوايات بأدب "النص" ونص "الأدب".. "تويتر" منحنا فرصة إشعال المعارك الثقافية لكن لتكون بـ"أدب" الحوار.. ولنُسخر "تويتر" لنا لا "علينا".. بأدب "الحوار".. وأدب "الاختلاف"، ولنتخاصم بأدب "النص" لا بـ"نص أدب"..!
كل الهوايات تمارس في "تويتر".. ولك الحرية باختيار ما يناسبك من الهوايات دون أن تتجاوز حدود "الأدب".. ولك الحرية في تجاوز ما لا يناسبك دون أن ترد على أحد وتنصحه بأن يكتب ما هو مفيد حسب "عقلك"، فما يراه عقلك غير مفيد ربما يكون عند غيرك مفيداً.. أو على الأقل يراه غير ضار لغيره.
(بين قوسين)
نريد معارك ثقافية لكن بلا ضحايا سوى "الجهل".. نريد حروبا أدبية ينتصر فيها البحث عن الحقيقة.