من المهم جدا أن يبحث الروائي عن مضامين ومسارات سردية جديدة في تجربته الروائية، دون أن يكرر دوائر اقتحمها السابقون له في ذات التجربة؛ هكذا يجيء الأديب عبدالرحمن العكيمي في روايته الأولى الصادرة هذا العام "رقصة أم الغيث"، ويسرد خلالها حكاية من حكايات الصحراء عبر سيرة "اللا جنس" في حياة أبطال روايته؛ ابتداء من الفارس"عزام" ابن البادية الذي فقد فحولته إثر حادث؛ وانتهاء بـزير النساء "سالم" ابن المدن الحديثة المربوط بسحر ما؛ فتتقاطع فيهما رمزية الصحراء/ الماضي مع رمزية المدينة/ الحاضر؛ ليرصد خلالهما تحولات إنسانية أثناء بحثهما عن معنى الرجولة/ المستقبل، إنهما نقيضان في كل شيء إلا في معاناتهما المشتركة، ورغم وقوع الرواية في تسارع سردي للأحداث بين حين وآخر؛ لكن الروائي نحت جيدا شخوصه من ديار الهضب و "منطقة الحِجر" وتيماء، مغايرا في اتجاهه هذا اتجاه كثير من الروائيين السعوديين الذين ظلّوا يبنون شخوصهم من أرصفة الشوارع والمباني الإسمنتية، أو يستنبتونها من سهول القرى، وجميعها تلتقي في بحث عن إنسان مغترب بين كومة طين محروم من طعم اللبن.

والعكيمي في روايته يأتي بغربة من نوع جديد؛ إنها غربة "الماء" !! هذا الماء الذي هو أساس الحياة؛ منه يخلق الإنسان ومنه ينبت الزرع؛ فتستمر الحياة؛ وحين تمسك السماء غيماتها عن المطر تجف الأرض فلا كلأ أو زرع ينبت وتحل المعاناة؛ هذه اللحظة هي ذاتها حين تضيع "الفحولة" عند الرجل فينقطع نسله وينقضي سكنه مع زوجته فتفقد الحياة متعتها؛ وفي ظل الجفاف تأتي رقصة النساء في البادية مع بعضهن وغناؤهن حاملات لـ"أم الغيث" وهي أسطورة لدمية خشبية كانت تقليداً بدوياً ممارساً قبل ثمانين عاما كما أوضح العكيمي في هامش روايته؛ وتحتل المساحة العظمى في سرد الرواية؛ وكأن الراوي يسرد سيرتها هي لا شخوص روايته؛ فالصحراء حين تظمأ تلقم الموتى في بطنها وتمتص ما تبقى في أطرافهم من ماء كي تروى، في حين لا تتوانى كثبانها عن ابتلاع أقدام الباحثين عن"الماء" ومع قسوتها تبقى قيمهم وأخلاقهم البدوية الأصيلة؛ حتى حين ينصبون خيامهم وتتقاطع مع مصالح قبائل أخرى؛ أو مع الخوف من الحِجر "مدائن صالح" يقفون أمامها حيرى! هل يلجؤون إلى خصبها ومائها وزرعها أم يعودون أدراجهم إلى ظمأ الصحراء؟! هكذا تصبح الحلول جميعها تتصارع مع متطلبات الحياة.

أخيرا؛ أهنيء الروائي العكيمي على هذه التجربة؛ وبحثه عن مضامين روائية جديدة وخروجه عن السياق الإسمنتي المعتاد في الرواية الذي مللناه، نتيجة تكرار دوائر الأحداث وملامح شخصياتها؛ ولا أنسى هنا الإشارة المهمة بأن الرواية التي تحكي سيرة "اللا جنس" في الحياة البشرية؛ تصدر في ظل تنامي روايات "فضائحية" باتت سمة في أسلوب عدد من الروائيين السعوديين الشباب؛ ممن تجاهلوا توظيف هذه الغريزة الإنسانية كتقنية سردية في الكشف عن توتر الأحداث وملامح الشخصيات؛ فحشروها ـ للأسف الشديد ـ حشرا، وأخرجوا روايات "رخيصة" بهدف شهرة "مثلجة"هي أشبه ما تكون بفقاعة صابون.