بدأ تأثير الإعلام الفضائي بقنواته المختلفة على البناء الثقافي للمجتمع السعودي منذ عقدين، بعد أن وجد المجتمع نفسه منفتحا على العالم من خلال القنوات الفضائية التي أخذت في تشكيل أطر ثقافية لم يعهدها المجتمع من قبل.

وبعد انفتاح المجتمع على الفضائيات أخذ الأمر منحى آخر، إذ تحول من مجتمع متلق لما تبثه القنوات الفضائية بمختلف أهدافها وتوجهاتها إلى منتج، وهنا كانت البداية بظهور عدد محدود من قنوات الأفراد الفضائية التي جاءت بهوية شعبية، تحت غطاء خدمة الموروث الشعبي، إلا أن انطلاقها كان محفزا لظهور قنوات فردية أخرى بأهداف مختلفة.

ورغم أن بعض القنوات الفضائية الفردية انطلقت بلا هوية، ولا يعلم المتلقي حينها ما الغاية من إنشائها، إلا أن أدلجتها بدأت تتشكل مع أحداث ما يسمى بـ"الربيع العربي"، فأصبحت هويتها تظهر على استحياء من خلال تعاطيها مع ما يحدث في دول الجوار، حتى تحولت بعضها منبرا لفئة عُرف عنها تغذية الطائفية والتعاطي مع القضايا الخارجية بمزايدة على حساب وحدة الوطن.

وحتى القنوات التي انطلقت بهوية شعبية وسجلت حضورها من خلال العزف على أوتار القبلية وإذكاء "الهياط" القبلي من خلال مهرجانات مزاين الإبل ومسابقات شاعر القبيلة، لم تكن بمنأ عن تهمة الشرخ في جدار الوطنية من خلال التركيز على ما يوقد نار التعصب القبلي، وتجاهل ما سواه، فلم نرى يوما أن قناة شعبية خصصت برنامجا عن شهداء الوطن أو ما تعرض له من أعمال إرهابية!

السؤال المشروع: لماذا صمتت وزارة الثقافة والإعلام خلال الفترة الماضية عن بعض القنوات التي لا هوية لها حتى أصبحت تشكل جزءا من الرأي العام، لنكتشف بعد فوات الأوان أنها تنخر في جسد وحدة الوطن؟

سلامة وحدة المجتمع تقتضي تنظيم هذه القنوات، وإلزام ملاكها بتحديد هويتها العائمة وإغلاق القنوات التي تهدد الوحدة الوطنية مهما كانت أهدافها الظاهرة.