في الرياض "حزام البيت الخليجي" وكما تعودناها أن تكون، أنهت قبلات أمراء وشيوخ وملوك الدول الخليجية، لرأس كبير الخليج والجزيرة العربية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، كثيرا من المشكلات العالقة، كي يحافظ الجميع على شعرة معاوية فيما بينهم كأطراف وكيانات.
هذه القبلات في الواقع تحدثت بصراحة عن تقدير المنظومة السياسية الحالية لبعضها البعض، وتقديرهم للطريقة التقليدية العربية وتفضيلها على غيرها، وهو تأكيد على توافر الإرادة السياسية لإنهاء كل المشكلات الطارئة.
يؤكد الملف الأمني لدول الخليج العربي أنه أهم وأكبر الملفات الخليجية، فهو بالنسبة لها ولأي منظومة عمل سياسية يبقى الملف الأحمر، هذا الملف لا مساومة عليه، وتعرف الأنظمة الخليجية أن مقابل هذا الملف أمران حتميان فقط، إما الاستقرار أو الفوضى، ويأتي ملف الشراكة الخليجية كأهم الملفات على الإطلاق وأبرزها، إذ إن الاختلاف الذي حدث في السنوات القليلة الماضية على مستوى العلاقات السياسية بين دول المجلس قال الكثير عن نقطة الضعف التي يمكن النفاذ منها إلى عمق المنظومة الخليجية، لكن مستوى وعي القيادات العليا وتقديرها لصعوبة وحجم المتغيرات السياسية المحيطة بهم، حالت دون ذلك.
أما على مستوى الشارع الخليجي وإنسانه، فإن أهلنا في الخليج يدركون بدورهم أن القوة ليست في تشتيت الجهود والقوى، وأن الاختلاف في وجهات النظر يجب ألا يكون أكبر من النظر إلى المصلحة الأكبر المتمثلة في الحفاظ على هذه الوحدة الرمزية التاريخية، التي تبقى أفضل من الفوضى والتناحر والمراهقات السياسية، التي قد تقلب الطاولة رأسا على عقب في طرفة عين.
إن خيارات الاستراتيجية السياسية في الخليج العربي يجب أن تُبنى على المصالح السياسية المشتركة، أكثر من الآمال والأحلام التي ترفعها الشعارات، وهو ما أكده خادم الحرمين الشريفين وأشقاؤه في قمة الرياض، فقد حرصوا على إنهاء أسباب الخلافات الطارئة كافة، لتبدأ صفحة جديدة في العمل العربي المشترك، فعزم قادة الخليج على إنهاء هذه الخلافات يؤكد أن هذه الوحدة الخليجية في طريقها للتحقق، وليست مجرد شعارات وأحلام، فهذه الشعارات أثبتت عربيا أنها أقل قدرة ونضجا من مضامينها بكثير، وأصبح مفهوما أن الحاجة إلى الاستقرار هو أكثر ما ترغب باستمراره منظومة الدول الخليجية، بدلا من الدخول في رهانات غير محسوبة العواقب، وإن نظّر لها المنظّرون كثيرا وزينوها، لكنها تبقى خارج نسق البنية الخليجية وتفكيرها وميولها، نقول هناك مشكلات عالقة، نعم، هناك خمول نعم، لكن ذلك ليس سببا كافيا عند شعوبنا الخليجية للمراهنة بوحدة الوجود على الأقل كمنظومة سياسية، الواقع يقول إن هناك ما يمكن أن يخاف عليه المواطن الخليجي، وهناك ما يخشاه وهو عدم قدرته على التنبؤ بما سيكون في أقل تخيلاته، لأنه في النهاية لا يضمن أفضل مما هو عليه الآن، ويصف ذلك صديقنا الشاعر والإعلامي العماني الجميل حميد البلوشي بقوله: "نحن نشترك هنا في مفهوم مغادرة منطقة الأمان "الوهمية" كحاجز للتغيير".
في الواقع هذه حقيقة يعرفها ويؤمن بها السواد الأعظم من سكان الخليج، والرؤية للمستقبل تختلف جذريا حينما يتم اختبارها ووضعها على المحك، فالتغيير المنشود لا يجب أن يكون على حساب مكتسبات محققة على الأرض، وإن كانت قليلة عند البعض، وسرعة ذلك التغيير بطيئة أحيانا، إلا أنهم يعلمون أن الإقدام على العبث بالأنظمة السياسية قد يكلفهم فواتير باهظة الثمن ليست مستوعبة، إضافة إلى علمهم بالمتربصين على الأبواب أيضا، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينفيها إلا مقامر، لذلك فالجميع مدرك لأهمية أن يبقى حزام البيت مشدودا.