لم يكن عبور راوية "كنت إسلامياً.. عندما يتماهى الخيال مع الواقع"، اعتيادياً على الساحتين الأدبية والسياسية بالمغرب، فما قبل صدور الراوية للعلن، والجدل السياسي يتوسع حول إطارها العام، وربما السبب الرئيس يعود إلى كون صاحبها الصحافي عمر العمري يملك العديد من "أسرار" أكبر الجماعات الإسلامية بالمغرب وذراعها السياسي الحزب الحاكم الحالي العدالة والتنمية، وكان يعمل ضمن المسارات التنظيمية الحركية الداخلية، وسبق أن عمل صحافياً في صحيفة "التجديد"، الجريدة الناطقة باسم حركة "التوحيد والإصلاح" الإسلامية وحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، ويدير حالياً موقع "دين بريس" الإخباري.

يرفض العمري في حديثه لـ "الوطن" أن توصيف راويته بأنها صورة انقلابية وتسييسية، ويقول: "نعم الرواية لها أبعاد سياسية وفكرية وأيضا عقدية، والقارئ هو وحده من سيقف عند تلك الأبعاد وغيرها. فأنا لا أنتمي حالياً لأي تيار سياسي حتى أتهم بالتسيس، وإنما على وعي تام بالمرحلة التي يمر بها العالم الإسلامي".

ومفصل الرواية أو الرسالة التي يسعى العمري تمريرها للرأي العام المحلي، بل حتى الإقليمي، هي أن ما يسمى بالإسلام السياسي أو الحركي - على حد وصفه- غير مستقر، ويقول: "تلك الحركات ليست هي الحل للخروج من التردي الذي تعيشه أمتنا، علينا أن نبحث عن حلول خارج المجال الضيق للحركة الإسلامية، أنا مؤمن بأن هذه الأخيرة انتهى أمرها ولم تعد قادرة على التجاوب مع حاجيات الناس الروحية أو المادية".

اتجاه العمري للرواية بدلاً من التوثيقي التسجيلي كما هو شائع في التطرق لهذه الموضوعات، يعود لسببين رئيسيين – كما يذكر- الأول لميوله الأدبية، ويشير هنا إلى بحثه المستمر عن فرصة لتفجير هذه الطاقة في إبداع روائي.

أما الأمر الثاني الذي دفعه لذلك هو ما تمثله الرواية من مساحة واسعة لحرية الإبداع والتفكير، عكس الكتاب فهو في حاجة إلى توثيق علمي دقيق وإلى ذكر الأسماء الحقيقية والحوادث.

الشكل الفني للرواية سيرة ذاتية لصاحبها، يحكي عن نفسه والظروف التي عاشها في البادية، ويصف الأشخاص الذين التقى بهم، خاصة عندما تم استقطابه إلى إحدى التنظيمات الإسلامية، فيتعرف إلى زعيم الحركة، وإلى متزعمة العمل النسوي، وبعض الإخوان الذين صادفهم في الحياة. لكن بطل الرواية وفي خضم تطور الأحداث يكتشف أنه كان ضحية "إغواء سياسي"، وأنه يعمل لتنفيذ أجندة سياسية يمسك بخيوطها الكبار.


"الاستقطاب التنظيمي"

 


تعرض رواية "كنت إسلاميا.." المنشورة في 216 من الحجم المتوسط، تجربة شاب انتمى إلى الحركة الإسلامية ثم انفصل عنها بمحض إرادته، عندما اكتشف أنها مشروع سياسي، يسعى إلى السلطة عن طريق الدعوة إلى الله والعمل الخيري ومساعدة الفقراء. تبدأ القصة بمعاناة طفل ولد في البادية التي استوطنها أجداده منذ قرون، حيث عاش فيها نهاية الستينيات من القرن الماضي إلى أن أكمل تعليمه الابتدائي. خلال هذه الفترة أصاب الجفاف المنطقة، فمات الحمار والبقرات التي كانت في ملك أسرته البسيطة. كانت توجد مزرعة يملكها وزير قرب منزل الطفل، لم يمسها الجفاف لسبب بسيط هو أنه كان يسقيها (عشرات الهكتارات) بالماء الصالح للشرب، والناس حوله يموتون عطشا. الأهالي وتحت تأثير العطش أحدثوا ثقبا في قناة المياه التي تمر بجانبهم، كما فعل الوزير، لكن "المخزن" عوض أن يعاقب رجل الدولة اعتقل والد الطفل وقدمه للمحاكمة.

نجح تنظيم حركي انشق عن أول حركة إسلامية في المغرب، وهي "الشبيبة الإسلامية" بزعامة الشيخ "عبدالكريم مطيع" اللاجئ سياسيا خارج المغرب، في استقطاب بطل الرواية إلى صفوفه. يقول الشاب إنه انتمى إلى "الجماعة" لينتقم من الوزير الذي كان يسرق ماء الدولة، وليواجه "المقدم" و"القائد". التقى الشاب بأحد قادة الجماعة يدعى "أبو أيمن"، هذا الأخير مهد له الطريق ليعرف كل شيء عن الإسلاميين، وعملا معا على تأسيس الجلسات التربوية داخل الكاريان.. سيستغل الزعيم كل هذا المجهود الحركي، ليحصل على مقعد في البرلمان. أخت القائد الحركي وتسمى "فاطمة" تزعمت العمل النسائي داخل الكاريان، وأيضا ترأست جمعية العمل الاجتماعي، استطاعت بدورها أن تحصل على مقعد برلماني بواسطة الكوتا. في خضم هذه الإحداث المتسارعة، سيكتشف البطل أن التنظيم الدعوي الذي انتمى إليه كان هدفه هو الترشح في الانتخابات والحصول على المقاعد وتوزيع الغنائم. تمرد على هذا الوضع.. دخل البطل في صراعات قوية مع أسرته ومع الإسلاميين، ومع السلفيين، ومع التكفيريين، وحدثت معهم مواجهات فكرية،

ليصل في نهاية المشوار إلى أنه كان ضحية "إغواء سياسي" باسم الدين. تبدأ القصة بولادة، وتنتهي بولادة أخرى، وخلالهما تتداخل الأبعاد بينما هو ديني وسياسي وفكري واجتماعي وفلسفي وأيضا عاطفي.