بعض المجتمعات فقدت حميميتها وقيم التقارب النفسي والروحي بين أفرادها، فكل فرد يحمل وسيلة اتصال تقنية يظل -على الغالب- منشغلا ومنهمكا في شأنه ومع جهازه، وقد يجد المتعة في التواصل مع أشخاص آخرين، يشعر بأنهم أقرب إليه ممن حوله، فهو محجوز نفسيا في داخل هذه الأداة التي سلمها عقله وتفكيره وأثمن لحظاته، فيتفاعل مع الآخرين ويشاركهم أوقاته ويقضي الكثير منه في التحادث إليهم، فقد أصبحت هذه الوسائل هي البديل للتفاعل الاجتماعي الصحي مع واقع الفرد.
سوء الاستخدام تسبب في فساد الإحساس والتعاطف في بناء علاقاتنا، وأثر سلبا في الترابط الأسري والاجتماعي، فإن كان من أهم إيجابياتها أن قربت القريب، فهي أبعدت القريب في تأثيرها السلبي، بحيث أصبح في مقدور الفرد الانعزال عن مجتمعه الحقيقي وقضاء الوقت مع العالم الافتراضي بكل متعة، من دون الحاجة إلى أقرب الناس إليه، والمفترض أن تكون الأجهزة الذكية بوابة تفتح على قائمة متزايدة من الأنشطة والاهتمامات التي من شأنها تطوير حياة الفرد وسلوكه في التعامل مع محيطه وربطه بمجتمعه الحقيقي بشكل جيد.
بناء على دراسة أجراها مشروعpew internet and american life تشير إلى أن الأميركيين الذين يستخدمون تقنيات الاتصال اجتماعيون أكثر من غيرهم وأن الإنترنت والهواتف المحمولة لا تشد الناس بعيدا عن الأوساط الاجتماعية التقليدية، بل تعززها، إذ إن استخدامها يرتبط بشبكات مناقشة أوسع وأكثر تنوعا، غير أن الدراسة تشير إلى أن "فيسبوك" مثلا يحتل مكان العلاقات مع الجيران، ولم تقلل هذه السبل من تواصلهم مع جيرانهم في الواقع، كما أن الأشخاص الذين يستخدمون الهواتف المحمولة وشبكات الاتصال بكثرة في العمل، غالبا ينتمون إلى جمعيات تطوعية ومحلية أيضا.
بذلك نلاحظ أن هناك في مجتمعنا تعزيزا للقيم الفردية والانعزال بعيدا عن القيم الاجتماعية، والمفارقة هنا أن الأشخاص الذين كانوا يستخدمون الأسماء المستعارة للتعبير بأساليب طبيعية وحقيقية في فضاء افتراضي أكثر حرية من حيث لا يمكنهم التعبير عن شخصياتهم بالقدر نفسه الذي تمنحه شبكات التواصل في الواقع الحقيقي مع الأفراد الذين يعرفونهم شخصيا، هم أنفسهم الذين لا يتقبلون التواصل مع معارفهم من خلال الشبكات الاجتماعية.
يظل الاتجاه نحو العزلة ضرورة لتلبية حاجات إنسانية، لكن الأمر في حاجة إلى موازنة، فنحن مكلفون في حق علاقاتنا الاجتماعية بإيجاد فرص التفاعل والنمو الاجتماعي الذي لا يقل أهمية عن النمو المعرفي والتبادل الثقافي من خلال التقنية.