أكاد أجزم أننا نحن العرب نختلف عن شعوب المعمورة كافة في صفات وممارسات مختلفة، بعضها قد يكون حسنا، وبعضها الآخر غير ذلك، ولكن إحدى تلك الممارسات قد تكون السبب في تأخر تنميتنا وتراجع كل شيء، ألا وهي العمل على البدء من الصفر في كل شيء!

فما إن يتسنم أحد ما مركز القيادة في أي موقع مهما كبر أو صغر، حتى يبدأ بالعمل والتطوير،وكأنه لم يكن هناك أحد ما قبله، وللأسف تتضخم هذه الممارسة بواسطة جموع المصفقين والمباركين من المنتفعين من هذا المسؤول الجديد، بالطبع قد يكون المسؤول الجديد يحمل أفكارا جديدة، ورؤية قد تكون أفضل من سابقه، ولكن العودة إلى الصفر مهما كانت تحمل مبشرات وآمال أفضل فإنها حتما إهدار للوقت والجهد والمال، وللأسف فالبعض وبعد أن يبدد المال العام في إعادة اختراع العجلة، تجده يعود بالوضع إلى سابق عهده وكأنه لم يحدث شيء، والأسوأ من ذلك عندما تُحدث الأفكار الجديدة تقهقرا إلى الخلف لا يمكن إصلاحه بسهولة.

يعتقد البعض أن مجرد استكمال ما بدأه السلف تجعله يبدو وكأنما لم يفعل شيئا أمام الجمهور، بينما الأصل في الإنجاز هو الاستمرار وتراكمية الخبرات، وهو بالطبع الأمر الذي لا يمكن أن يحدث عندما تتبدل الأفكار والخطط بمجرد تغيّر الأشخاص. فكم من وزارة تغيرت رؤيتها الاستراتيجية فقط عندما تغير رأس هرمها، وكم من إدارة اختطت خطا مختلفا لأن مسؤولها الأول لا يريد أن يبدو وكأنما هو نسخة من مسؤولها السابق.

كل هذه الممارسات تجعل التفكير في الخطط طويلة الأمد مجرد عبث وإضاعة للوقت؛ ذلك لأن المسؤول لن يستمر في كرسيه الوثير حتى يحقق أهدافه الاسترايجية تلك، والغالب الأعم أن من سيخلفه سيقلب ظهر المجن لمن سبقه، فهل نكتفي فقط بالأهداف قصيرة الأمد؟ ونتغافل عما سواها، فقط لأننا لن نجد من يكملها بعد صاحبها الأول؟ أعتقد أن هذا الخيار قد يكون الأفضل والأسلم في ظل شيوع هذه الممارسة "الصفرية". على الأقل نضمن تنفيذ شيء من الوعود والآمال، والله المستعان.