"الانفتاح على المجتمعات الأوروبية"، كانت أهم الدلالة الفكرية والمعرفية التي طرحها المدير العام لمنظمة المجتمع الإسلامي في أوروبا "مللي جورش" المقيم في ألمانيا طاهر كوكوسي على طاولة مكتبه المؤقت في العاصمة المقدسة، حينما أراد الإجابة عن سؤال "الوطن" عن الكيفية التي يواجهون بها حالة "التخويف من الإسلام" – الإسلاموفوبيا"- من قبل اليمين المتطرف الأوروبي، في ظل تصاعد مخاطر ما يسمى بـ"الدولة الاسلامية"؟

"كوسكي" يعتبر نظرياً من أبناء الجيل الثاني لمسلمي أوروبا، ويعود لأبويين من أصول تركية هاجرا في ستينات القرن الماضي لألمانيا، يحدد معالم يراها غاية في الأهمية، من حيث التعامل الإطاري مع العقلية الأوروبية عموماً -أياً كانت الديانة- ترتبط بما وصفه بجوهر العملية الإقناعية التي تقوم على مسألتين رئيستين: هما الإطاران "الثقافي والهوية الحضارية".

المدير العام لمنظمة المجتمع الإسلامي في أوروبا يستشهد بركيزة الانفتاح على الأوربيين بـ3 من أكتوبر سنوياً، والمعروف "بيوم المساجد المفتوحة"، حيث تفتح المساجد أبوابها في هذا اليوم لغير المسلمين، ففي ألمانيا يتقاطع اليوم مع عيد الوحدة، ويقول كوسكي: "يوم المساجد المفتوحة له خصوصية، فبعد انتهاء الإمام من صلاة العصر يبدأ المسجد يشهد نشاطا غير معتاد، حيث تفتح المساجد أبوابها أمام غير المسلمين ليتعرفوا على الإسلام والمسلمين، بصورة ذاتية، بعيدة تماما عما تروج له بعض وسائل الإعلام الغربية من صورة خاطئة، ويصادف عادة فيه دخول بعض الأوروبيين للإسلام، ويلقى هذا اليوم اهتماما واسعا من قبل وسائل الإعلام الغربية التي غالبا ما ترصد المشاهد في حضور الأوروبيين للمساجد".

وغالب من يجيب عن أسئلة الحضور في يوم المساجد المفتوحة هم من الشباب المسلمين الذين تربوا في أحضان "مللي جورش"، والذين يتقنون فهم مداخل العقلية الألمانية واللغة، والمتقنين للثقافة الإسلامية الصحيحة، بطريقة فائقة في الجودة مما يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام.

على طاولة إعلامية مستديرة مع المدير العام لمنظمة المجتمع الإسلامي في أوروبا، كانت أسئلة الحضور التي تبدو أكثر تدقيقا حيال ما يجري في العراق وسورية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأثر ذلك على تنامي "الإسلاموفوبيا"، وبخاصة من وجود أعداد لا بأس بها من المنضمين الأوروبيين للتنظيم، وهو ما يحاول إعلام "داعش" ترويجه ليتلقفه "الإعلام الأوروبي" على شاشاته وصحفه.

لم يبد أي قلق على ملامح طاهر كوسكي الذي سارع إلى توضيح ما قامت به المنظمة التي ينتمي إليها وهي الأكبر على مستوى القارة الأوروبية، بإجراء دراسات استطلاعية حيال سبب انضمام عدد قليل من أبناء الجيلين الثاني والثالث من الأوروبيين للتنظيم الذي شوه صورة الإسلام، فذكر أنهم توصلوا -من خلال النتائج الميدانية- أن غالبية المنتمين "جهلة" بالأمور الشرعية الصحيحة، ولم ينتموا لمنظمتنا القائمة على الوسطية، كما ليس بينهم والتدين الشخصي سوى أيام معدودات، إضافة إلى غياب الآفاق الشرعية الإسلامية القائمة على السماحة والعدل، مشدداً في الوقت نفسه، على أن "التطرف" ليس له دين، بل ظاهرة اجتماعية تظهر مع مختلف الأيديولوجيات اليمينية أو اليسارية.

الأجيال الأوروبية الشابة التي تعد أكثر الموضوعات حساسية وقلقا في المجتمعات الأوروبية المسلمة، هنا قام طاهر كوسكي بأخذ "الوطن" بجولة على الأبراج السكنية لحجيج "مللي جورش" بعزيزية مكة المكرمة، الذين وصل عددهم في الموسم الحالي إلى خمسة آلاف و500 حاج، النسبة الغالبة منهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرينات من العمر من مختلف الجنسيات الأوروبية.

وقال: "تهتم برامجنا من خلال مراكزنا، ومدارسنا الإسلامية بالشباب من الجنسين كثيرا، من خلال المحاضرات التربوية والتوعوية، القائمة على الوسطية ومنهج أهل السنة والجماعة". وتسعى المرجعية الإسلامية للمنظمة إلى تعزيز فقه الأقليات المسلمة في القارة الأوروبية.

وتبتعد المنظمة عن أي صبغة سياسية على الإطلاق، رغم أن مؤسسها ومهندسها هو أبوالإسلاميين الأتراك البروفيسور الراحل نجم الدين أربكان في ثمانينات القرن الماضي، وتبعد نفسها جاهدة عن أي تصدير للمشكلات السياسية الداخلية، وبخاصة أنه يوجد في أوروبا ما يقرب من 5 ملايين تركي مهاجر، من عموم 30 مليون مسلم.

وتصنف المنظمة نفسها بأنها مظلة لاحتواء مسلمي أوروبا، وحاضنة لجميع الجماعات الإسلامية الصغيرة في عدد من الدول الأوروبية، مقرها الرئيس ألمانيا، حيث تعتمد الشفافية والالتزام بالقانون الألماني وقوانين السلطات الأوروبية، لذلك يختم بقوله: "نحن نعيش على الهواء الطلق، ولا نمارس السياسة على الإطلاق".