"اشتدي أزمة تنفرجي" مثل بليغ يتردد على لسان الغالبية العظمى من أبناء الأمتين العربية والإسلامية جراء معاناتهم المستدامة من الأزمات الذاتية والصراعات البينية التي أورثت الكثير من أسباب الضعف والانقسام وعطلت – وما تزال – مقومات النهوض والتكامل ردحا طويلا من الزمن لصالح مشاريع الاستلاب والاحتلاب.

استلاب الأمة مخزونها الحضاري العريق واجتلاب مقدراتها الاقتصادية من الثروات المسروقة وحرمان الشعوب العربية والإسلامية مردودها المفترض على صعيد التنمية البشرية والنمو الإنتاجي ومجالات الاستثمار في البنى الاقتصادية العملاقة الكفيلة بمواجهة تحدي الرفاه وسباقات التفوق.

ترى.. أي أنماط الانفراج يفضل اليمنيون حين تضطرهم المواجهة القاتلة بين مظاهر الانهيار ومسكنات اللون الأزرق على بوابة غرفة الإنعاش للقول "اشتدي أزمة تنفرجي" هل أحكم الملل قبضته على مواطني هذا البلد ووصل ضيقهم حد البحث في الخيارات الحاسمة بين طريقي الحياة أو الموت.

هل صار مفترق الطرق خيارا واعيا تمليه مصلحة وطنية مرجحة أم هي طبيعة التأثر بمورث الخطاب الشمولي المعتاد سماعه في خطاب الحاكم المستبد كلما جهز جيوشه خلف شرعية "الجمهورية أو الموت" و"الوحدة أو الموت" وعادة يكون الناس على دين ملوكهم كما ورد في الأثر. لسنا بصدد نبش مقالب الماضي حتى وإن حملنا عنوة على اجتراره لكنا ذاهلون.. كيف يصبح لسان الحال مثلا شعبيا شائعا لا يحتمل أنصاف الحلول، بل كيف تتبلد الأجواء وتفسد علاقة المجتمع بإمكانية التعافي المتدرج، وما الذي يجعل أمثلة كهذه ضمن تصورات الإنسان ومكابراته خاصة وأن اختياراته الطوعية ساهمت في اعتماد الفوضى غير الخلاقة وانتهاجها وسيلة للتغيير عبر ثورة رديئة الأدوات.

"اشتدي أزمة تنفرجي".. جملة مكثفة تعكس أقصى مراحل الإحباط ولا تقيم وزنا للعبرة من درس العراق وليبيا والصومال؟ فلماذا لم يعد هناك من يرى في المبادرات الخارجية والتسويات الداخلية بصيص أمل يخفف من حدة التوترات النفسية ويمنع وصولها مرحلة الخطر المكشوف على كل الاحتمالات..؟ أحيانا تكون العقوبة أخف من انتظار تنفيذها..!

الواقع أن اليمنيين لم يشهدوا السعادة طيلة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح لكنهم لم يعتادوا بالمثل على النفخ في بالونات الآمال الثورية التي تقدم للنخب السياسية وجبات "الهمبرجر" سريعة التجهيز وتنتزع أمعاء الشعوب ثمنا لتلك الوجبات الطازجة..! وما كان بالأمس ثورة ضد السلطة وإقامة الدولة المدنية صيرته ميليشيا أنصار الله حقولا من الانتكاسات المعتملة في وجدان المجتمع ومؤشرات تراجع إلى نقطة الصفر حيث الحاجة الملحة إلى سلطة لا تحقق العدالة الكاملة ولا المواطنة السوية لكنها تبسط نفوذها وتملك القدرة على فرض قرارها واحترام التزاماتها..!

هل خدع الناس بجماعات السلاح التي تنقاد لمزيج مركب من الخصومات المؤجلة بين الحوثيين والرئيس السابق؟ لا أظن الأمر كذلك إذ ليس لدى معظم أبناء الشعب اليمني ذكريات فرائحية مع كلا الجانبين، لكن إجحاف الإخوان المسلمين وتيارهم القبلي والعسكري في حق أبناء اليمن وعبثهم المفرط بوظائف النظام واستحواذهم على المال العام إبان المرحلة الانتقالية الأولى دفع المجتمع للنظر إلى حرب عمران ومن ثم حصار صنعاء من نفس الزاوية التي تتلبس ضراعاتهم الوجلة في الوقت الراهن "اشتدي أزمة تنفرجي".

لمعاناة الشعوب سقوفا توازي قدرة البشر على الاحتمال فإذا تعدت المعاناة حدها الأقصى ينعدم الإحساس بالألم.. ولهذا غابت حساسية المجتمع تجاه العاصمة صنعاء وارتدى الحوثيون قناع المخلّص من كابوس الإخوان وحلفاء صالح القدامى لتبدو أحداث مارس الماضي على صورة انفراج تمناه الناس في سبيل الفكاك من مثالب أزمة عجزوا عن مجاراتها وإن كانوا اخطأوا تقدير تبعات الارتهان لمحارات الإحلال والإبدال من ذات العينات الشريرة..

صحيح أن الحوثيين دحرجوا العديد من الصخور الجاثمة على صدر المجتمع، لكن الأصح أيضا أنهم استحالوا كتلة صخرية لا تثقل كاهل الإنسان اليمني بل تكتم أنفاسه وتقض مضجعه.

الموت شعارهم المرفوع وممارستهم اليومية إن لم أقل مكمن قوتهم في موازاة ضعف التعلق بأسباب الحياة لدى عامة الشعب.

وللحوثيين موقف سوداوي من المسرة والمرح وهم في الغالب لا يحتفظون بتصوراتهم تلك في نطاق مدونة السلوك الذاتي وإنما يوجبونها على سواهم قسرا.. تتماهى الكثير من خصائصهم مع نهج إخوان اليمن فيما يتصل بالتحالفات القبلية ونخر التنظيم الاجتماعي لمصلحة الولاء الخاص وتتناغم ذهنيتهم المغلقة مع جماعات التطرف فيما يخص الحريات الشخصية وحظر الموسيقى ومناهضة المناشط الإبداعية وتكاد ممارساتهم العبثية المكدرة صفو الحياة العامة تكون نسخة مشوهة لنظام الرئيس السابق على عبدالله صالح سيما ما يتعلق بضوابط المؤسسة واحترام سيادة القانون، وباختصار صار هؤلاء "كوكتيلا" يختزل مساوئ الآخرين من غير أن تكون لديهم مزية قيمية ثابتة يستحقون عليها الشكر.

وإزاء هذا الإيناع السريع للمخاطر المحدقة باليمن بين ذاهب وآيب لا يكون أمام الشعب غير ترديد المثل الشعبي المتفحم "اشتدي أزمة تنفرجي".

فهل تنفرج أوضاع البلاد عن لحظة ميلاد أم متوالية خطر تهدد حاضره وتؤبن مستقبله.. وماذا ستقول أنباء الطوالع وعوالم الميتافيزيقيا من توقعات فلكية عن طلسم اليمن وزعافه الأرقم..؟

لا أحسبها تبشر بدولة يمنية في ظل الحوثيين والإخوان المسلمين وزعيم القبيلة ولئن ذكرت الطوالع شيئا من هذا القبيل فلا أَصدق من "كذب المنجمون وإن صدقوا".