في قطارنا السعيد الوحيد، وعلى الرحلة المتوجهة إلى الرياض، لفتت نظري أحاديث ثلاث من السيدات اللواتي يجلسن أمامي بحيث لا أرى وجوههن، ولكني أسمع أحاديثهن بوضوح. كانت أصواتهن تحمل رزانة ووقار السيدات في الأربعين أو الخمسين، إلا أن محتوى الحديث يحمل طيش المراهقات بسذاجة المحتوى وسطحية الطرح، فتناوبن في الحديث عن آخر مقتنياتهن من الماركات من أوروبا وأميركا بشكل استعراضي، وآرائهن في بعض التقليعات مع استخدام كثير من المصطلحات والكلمات الأجنبية، ثم عرجن بالحديث عن "سناب شات"، وقمن بتصوير أيديهن وهن يمسكن بأكواب القهوة مع التركيز على الساعة والخاتم، وإن كنت قد شككت في تقييمي لأصواتهن، فلن أشك أبدا في ملامحهن الخمسينية والأربعينية بعد أن سنحت لي فرصة رؤيتهن، التي حاولن التبرؤ منها بشتى الوسائل، دون جدوى.

لعل ما يميز أعمارنا هو نكهة كل مرحلة منها ومذاقها وخصائصها المختلفة عما سبقها وما سيأتي بعدها، لكن محاولة كل مرحلة أن تشبه الأخرى، جعل منها جميعا صورا شوهاء متناسخة، لا تحمل هوية أو صبغة تميزها عما سواها، فمن يعيد لهؤلاء النسوة نكهتهن المفقودة.