نشر "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، في 27 أكتوبر المنصرم، تحليلاً سياسياًّ لضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية، جيفري وايت، حول التحديات العسكرية في سورية، مصحوباً بتوصيات بكيفية مواجهة هذه التحديات. فيما يلي تفاصيل التحليل، وفقاً لما يراه جيفري وايت:

بينما يظهر بوضوح أكثر فأكثر، أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تخطط لإنشاء قوة معارضة سورية معتدلة، يبدو أن نهج هذه الإدارة يرتكز على برنامج مطول من التجنيد والتدريب والانتشار، يُخصص في البداية لأغراض الدفاع لمواجهة تنظيم "داعش". وإذا تم تنفيذ هذه الخطة، فسيتوجب الانتظار وقتاً طويلاً قبل نزول عدد كبير من القوات على أرض المعركة. كما أن الخطة ستُحِد من الفاعلية المحتملة لهذه القوات في المستقبل القريب إلى المتوسط، وربما تُلزمها بمشروع طويل الأمد يُرجَّح أن تشهد فيه هزيمة.

ويتوافق مفهوم الإدارة الأميركية مع تركيزها على الإرهاب باعتباره جوهر المشكلة في سورية، ومع علاقاتها سيئة الحظ مع المعارضة المسلحة. وحيث تواجه الإدارة الأميركية تعقيدات ناتجة عن وجود قوات مختلفة من الثوار المنتشرة على أرض المعركة، وعدم رغبتها في قبول ما يتعدى الحد الأدنى من المخاطر في دعم هذه القوات، وتركيزها على التكاليف والعواقب الناتجة عن أسوأ الحالات، تقدم هذه الإدارة برنامجاً ذا احتمالات محدودة للنجاح.


الواقع في سورية

تفيد التقارير أن نهج الإدارة الأميركية يتضمن العناصر الأساسية التالية:

• تجنيد أفراد من اللاجئين السوريين.

• توفير التدريب العسكري الأساسي لهم في السعودية أو ربما في الأردن.

• إنشاء قوة أولية تضم 5 آلاف فرد، مع عمليات انتشار أولية في فترة لا تتعدى الستة أشهر، تتبعها زيادات إضافية.

• استخدام عمليات الانتشار الأولية فقط للدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها الثوار في مواجهة "داعش"، مع تجهيز القوات الهجومية لتكون مستعدة في غضون 18 شهراً.

وفي خضم ذلك، سيتم إنشاء هيكل قيادة لهذه القوة تربطه بعض الاتصالات بكيان تابع للمعارضة السياسية.

وتطرح هذه المنهجية المحدودة العديد من المشاكل المحتملة. الأولى من بينها جدولها الزمني المطول، في حين أن الأنشطة العسكرية للمعارضة وجيش النظام و"داعش" في سورية لها عواملها المحركة والإيقاعات الخاصة بها التي تؤدي بدورها إلى إحداث تغييرات على المدى القريب على أرض المعركة. لذا فإن أي برنامج لا يسفر عن نتائج مهمة على مدى عدة أشهر يحمل في طياته مخاطر كبيرة.

وتكمُن المشكلة الثانية، في أن عملية إنشاء قوة من المدافعين في وجه تنظيم داعش لا تتلاءم مع طبيعة الوضع العسكري الحالي. فالثوار يقاتلون على جبهتين، الأولى ضد داعش والثانية ضد نظام الأسد. ويبدو أن هذه الجبهة الأخيرة تشكل الأولوية الأهم بالنسبة لهم، ولمستقبل سورية في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الثوار، في إطار حربهم ضد النظام، ينفذون عمليات دفاعية في حلب ودمشق وحماة، على سبيل المثال، وهجومية في القنيطرة ودرعا. ولا يمكنهم أن يتجاهلوا، كما لن يتجاهلوا، هذا الجزء من الحرب، لذا يتوجب على واشنطن عدم تجاهله أيضاً. إن طبيعة الحرب في سورية تعقّد بالتأكيد استراتيجية الإدارة الأميركية التي تقوم على مبدأي "العراق أولاً" و"الإرهاب دائماً"، ولكن هذا هو واقع الوضع الفوضوي، ولا بد للمقاربة الأميركية من أن تواجهه.

وبشكل أكثر تحديداً، أن تدريب الوحدات الأولية بهدف القيام بعمليات دفاعية بحتة من شأنه أن يحد من قدرتها على الاستيلاء على الأراضي عندما تسنح الفرصة، مما يثير المخاوف من أن تصبح هذه القيود متأصلة بين الثوار المعتدلين على المدى الطويل.

وتكمُن المشكلة الثالثة في أن حجم القوة التي سيتم إنشاؤها يبدو متعارضاً مع المهام موضوع البحث في الوقت الراهن. فداعش تنشر على الأرجح 10 إلى 15 ألف فرد في سورية، بالإضافة إلى القوى المحلية المتحالفة معها. لذا، فإن الالتزام بتشكيل قوات أولية عددها أقل من 5 آلاف فرد يحتم أحد أمرين: إما أن يتم نشر الثوار المدربين بشكل غير مكثف، وبالتالي يكونون عرضة للهلاك على يد قوات العدو المركزة، وإما أن تُترك بعض المناطق عرضة لتقدم مقاتلي تنظيم داعش وجيش النظام السوري. وفي كلتا الحالتين، قد يشكل الفشل كارثة على مستقبل القوة وعلى أولئك الذين كُلفت بالدفاع عنهم. ولقد رفضت الإدارة الأميركية النظر في إنزال قوات أميركية على أرض المعركة لمساعدة الثوار، والتدخل الجوي وحده لن يمنع فشلهم بالضرورة.

ومن غير الواضح كيف سيتم استخدام القوة التي ستقيمها الولايات المتحدة ودعمها في العمليات. فكما هو مبين أعلاه، أن الخط الفاصل ما بين العمليات الدفاعية والهجومية في سورية مرن جداً. والأسئلة التي تطرح نفسها هي كيف يمكن لواشنطن فرض مثل هذا الخط بشكل عملي، لا سيما على المستوى التكتيكي من دون وجود الأميركيين لتحديد وصياغة ما يجري على الأرض؟ وما الذي سيحدث إذا ما عانت القوات التي دربتها الولايات المتحدة من انتكاسات في ساحة المعركة؟ إن النجاح العسكري المستمر في سورية بعيد المنال بالنسبة إلى جميع الأطراف، ومن المرجح في مرحلة ما أن تفشل القوات المدعومة من الولايات المتحدة حتى ولو كانت مقيدة بدور دفاعي محض.


التوصيات

إن خطة التدريب والتجهيز الحالية التي وضعتها الإدارة الأميركية من شأنها إقامة وحدات من الثوار المعتدلين ولكن ضمن قيود مخصصة لإحباط نموها وللإنذار بفشلها إذا ما انخرطت في معارك قتالية خطيرة. ومن المحتمل أن لا تنجح الوحدات الضعيفة التي لا تلقى دعماً كاملاً في ميادين القتال القائمة على الشريعة "الداروينية" في سورية حيث الكيانات الأقوى هي التي تبقى، بل من المرجح أن تكون أكثر عرضة لأن تصبح فريسة للضواري الهائلة العاملة هناك.

ونظراً إلى أن الأحداث في سورية لا تسير بالضرورة وفقاً للجدول الزمني الذي تضعه الولايات المتحدة، فإن الجواب الواعد بشكل أكبر يكمن في بناء قوى معتدلة فعالة عاجلاً وليس آجلاً باستخدام عمليات التدقيق التي أجريت بالفعل. وهذا يعني دمج الوحدات المعتدلة القائمة ضمن هيكلية تستفيد من أعدادها، ووجودها في ساحات القتال الرئيسية، ومن خبرتها في محاربة كلٍّ من نظامي الأسد وداعش. وبعد ذلك، يمكن لواشنطن أن تعزز برنامجها الخاص بتدريب وتجهيز هذه الوحدات، لا سيما من خلال توفير الأنظمة المضادة للدبابات، وتلك المضادة للطائرات، والأنظمة الخفيفة من المدفعية/ مدافع الهاون.

وفي النهاية، لا ينبغي تقييد مثل هذه القوات بدور دفاعي ضد داعش - يتوجّب التوقع منها، بل يجدر تشجيعها، على محاربة النظام أيضاً. وستحقق نجاحات وستلحق بها هزائم، إلا أن الولايات المتحدة لن "تملك" هذه القوات بنفس درجة امتلاكها لقوة بُنيت من الصفر. وستكون هناك مخاطر، كما هو الحال دائماً عند التعامل مع غير النظاميين مثل: عمليات نقل الأسلحة غير المرخصة، والنشاط الإجرامي، وانتهاكات لقواعد الحرب، وهكذا دواليك. إلا أنه من المرجح بصورة أكثر أن يتم نشر هذا النوع من القوات في إطار زمني أقصر، وأن تكون هذه القوات أكثر فاعلية في ساحة المعركة ضد تنظيم داعش والنظام السوري.