أكد سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أن إقامة الحدود رحمة من الله للقضاء على المجرمين وقطع دابر المفسدين وإقامتهم عند حدهم نعمة من الله لنعيش الأمن والاطمئنان، فمن دعائم الأمن إقامة حدود الله والأخذ على يد المفسدين الذين أصبح خلقا لهم، فلا بد من أن يوقفوا عند حدهم، مبيناً أن الفساد في الأرض ضرره عظيم وشره مستبد، ولا بد من إيقاف هؤلاء عند حدهم، وأن من تعدى حده وقف عند حده، ومن سولت نفسه الشر والبلاء إذا ذكر هذا المصير وهذا الأمر ارتد عن جرمه وارتد عن ظلمه وقطع الحق والواقع.

وأوصى المفتي المسلمين، في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في جامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض، بتقوى الله تعالى حق التقوى، قائلا إن من رحمة الله بعباده أن شرع الحدود والقصاص والتعابير الشرعية لإقامة العدل في الأرض، مؤكداً أن حدود الله تقام لتصلح العباد وتستقيم أحوالهم، وهي وسائل شرعية يقيمها الإمام ليردع الظالمين والمجرمين، وليعلمهم أنه جد ليس بهزل، وأن من تعدى حده وقف عند حده، ولا ينتظر ليعيث في الأرض فساداً ليقتل أو يظلم، فلا بد من عقوبته وإنزال حكم الشريعة به، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، مبيناً أنه في عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفد إليه بعض قبائل العرب، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا فصحّوا، فلما صحوا قتلوا الراعي، فأمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، اليد اليمنى والرجل اليسرى، اليد اليسرى لليمنى، ثم أمر بأعينهم أن تكوى بالنار، ثم تركهم بالحرة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا جوعاً وظمأ، قال هؤلاء كفروا وارتدوا وسرقوا بعد إيمانهم.

وأضاف مفتي عام المملكة، أن الرحمة صفة من صفات الله عزوجل تليق بجلاله وكرمه، ذكرها الله في أول آية من القرآن الكريم, قال تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم"، مشيرا إلى أن هذه الرحمة منها رحمة عامة لجميع الخلق جنهم وإنسهم حتى الحيوان والنبات والجماد، ورحمته وسعت كل شيء، ومنها رحمة خاصة بالمؤمن للدار الآخرة (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِين).

وأضاف آل الشيخ أن لمظاهر الرحمة أمورا عديدة، منها أن الله رحم الإنسان فخلقه في أحسن صورة (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، (فتبارك الله أحسن الخالقين)، (وصوركم فأحسن صوركم وإليه ترجعون)، ومن آثار رحمته تكفله برزق جميع العباد، وأن رزق العباد كلهم بيده جل وعلا، قال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ), وقال تعالى (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم).

وقال مفتي عام المملكة إن من مظاهر رحمته تبارك وتعالى إرسال الرسل وإنزال كتبه رحمة بالعباد, قال تعالى (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، ومن مظاهر رحمته إرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وللعباد أجمعين بعد أن عم الجهل والضلال المبين, قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، أرسله الله رحمة للعالمين جميعاً من أطاعه دخل الجنة، ومن خالفه عصم دمه وماله وعرضه.

وذكر الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رحمة الأبوين والأولاد والبنات، فإن الله تبارك وتعالى سخر الأبوين للشفقة على الأولاد وأودع في قلبهما رحمتهم والشفقة، فهذه الأم تعاني الحمل والولادة والرضاعة والتربية، ويسهل كل ذلك عليها، والأب يتعب ويشقى ليلاً ونهاراً في تحقيق حلمه تجاه أولاده.