يُضرب المثل الشعبي الوارد في العنوان لمن يرائي بفعله، رياءً مكشوفا، ومعناه: "أن أحدهم يستعرض ببندقيته أمام صفوف الرجال، وهو ليس من أهل الشجاعة، ولكنه يفعل ذلك ليقول الناس عنه إنه شجاع".
ومثل هذا "المبنْدق"، لا يكون الفعلُ الحسنُ هدفَه، وإنما هدفه الرئيس أن يقول الناس عنه إنه يفعل، أو يفهم، أو يبدع، أو يستطيع، وهو ما تنطبق عليه الثيمة اللفظية: "يعني إني".
الأدعياء كلهم يقولون: "أرقني يا خال مبنْدق"، ابتداء ممن يشتري القصائد ليقول الناس عنه إنه شاعر، ومرورا بمن يسرق أبحاث الناس ومقالاتهم، ثم يمهرها باسمه، ومن يشتري شهادة دكتوراه، قبل أن ينهي البكالوريوس، وانتهاء بمن يتشدق في كل مجلس بأنه العارف بما خفي وما ظهر من أمور: الدين، والسياسة، والثقافة، والأدب، والصحافة.
"المبنْدق" يكذب على الدوام، وهو يعلم أنه يكذب، لكنه لن يعترف أبدا بأنه يكذب، ولو قامت عليه حجج الكون كله؛ لأن اعترافه يهدم آماله في إثبات ذاته، بعد أن اختار إلى ذلك طريقا معوجة، عوضا عن أن يقرأ، أو يتدرب، أو يخلص، ليحقق ذاته دون زيف، ودون أن يضطر إلى الكذب، والكذب، والكذب، حتى يصبح عند الآخر مصنفا في قائمة: "هلكوني".
ضرر "المبندق" في مجتمعات العدالة والضوابط الواضحة معدوم، ومقصور عليه هو وحسب؛ لأنه لن يستطيع أن يأخذ مكان غيره مهما حاول أن يزيف ذاته، ليوهم الناس بأنه الجدير القدير، إلا أن وجوده في مجتمعات المظاهر الخادعة خطر كبير على كل شيء؛ خطر على الأخلاق، وعلى التنمية، وعلى الفكر، وعلى المعرفة، ذلك أن من "المبندقين" من يؤلف الكتب ليقال عنه: إنه باحث، وفيها من الزيف والضعف ما يخادع البسطاء، ومنهم من "ينتفخ" حتى يوهم ذوي القرار بأنه قيادي ممتاز، فينال منصبا، لا يفعل من خلاله سوى إبعاد القادرين، كيلا يُكشف، ولأنهم خطر يحيط بكرسيه الهش، ومنهم من يعمد إلى إشاعة آراء يعلم أنه ليس فيها من الصواب، إلا مباعدتها له، وهي مراده، ليختلف ويلفت الأنظار، ويصبح المفكر "خارج الصندوق"، والمنظر "خارج النسق".
والضرر الأكبر يكمن في أن "المبندق"، يتشدق -دائما- بحريته وشجاعته في طرح آرائه حول كل شيء، بينما هو -في حقيقته- لا يطرح آراء، ولا يهمه أن يقول رأيا، بقدر اهتمامه بأن يفتري على الآخرين، ويمارس "البهتان"، لتدوم ذاته المزيفة في أعين العاجزين عن كشف زيفها، كما أرادها منذ انتفاخته الأولى، وكلما قيل له: إن رأيك ينتقص من الآخرين، ويقلل من جهودهم، قال: هذا رأيي!
وأخطر "المبندقين" هم المحشورون في: أهل الثقافة، والكتابة، والإبداع، ممن لا قول لهم سوى: "وش عند فلان؟ ما عنده شيء"، وكأنهم هم -فقط- المحيطون بالمعارف والإبداعات منذ الأزل!