تقول حكاية الربط بين الأرقام إن صندوق إبراء الذمة استقبل في العام المنصرم وقبل ساعات من وفاته مبلغاً وقدره مليوناً وسبعمئة ألف ريال. لكنني قرأت لكم في المقابل أيضاً أن جملة مشتريات الأجهزة الحكومية العامة من الأقلام والأوراق البيضاء على مكاتب موظفيها قد تصل في العام ذاته إلى ما يقرب من 17 مليونا، وهنا أصبحت متأكداً تماماً أن صندوق إبراء الذمة مجرد حساب بنكي للبسطاء وحفنة من المتقاعدين الأبرياء الذين أودعوا في هذا الصندوق قيمة ما يظنونه مئة قلم جاف وألف ورقة بيضاء استخدموها لأغراضهم الشخصية خلال أربعين عاماً من الوظيفة.

لكنني أيضاً استمعت للصديق العزيز عبدالحميد العمري وهو يقول إن القصاصات الصحافية ما بين يديه تشير إلى أنه تم في العام الأخير وحده أيضاً مصادرة ما يكفي من الأراضي لمليوني أسرة سعودية. وتشير الأرقام أيضاً إلى أن أجهزة الحكومة المختلفة تستأجر في عام واحد ما يناهز 21 ألف سيارة وتشتري أيضاً 27 ألف سيارة في ذات العام الواحد. هذا الجيش الهائل من السيارات الحكومية لا تتسع له كل مواقف "مانهاتن" في قلب نيويورك الذي يقول الرقم الآخر إن بهذه الجزيرة 45 ألف موقف عمومي على جنبات الشوارع. نحن نعرف على "المكشوف" أن الغالب الأعم من موظفي الحكومة يعطون مفاتيح سيارات "الحكومة" للسائق المنزلي في مشاوير البقالة والمغسلة وأحياناً في "تشوير" المدام إلى "المول" أو زيارة بنت خالتها، هذا إن تنازلت الحرم المصون لتركب سيارة الدولة لأنها من العيار المتوسط.

والخلاصة أني أدعوك لتخيل شكل هذا الصندوق الذي أسموه "إبراء الذمة"، أكبر صندوق شاهدته في حياتي هو صندوق سيارة "البتر" فكيف يستطيع هذا الصندوق احتواء ملايين الأمتار المربعة من الأراضي المنهوبة وآلاف السيارات الممنوحة للموظفين؟ بل كيف يكفي ملايين أوراق النقد الملعوب عليها من المال العام حتى ولو كانت من فئة الـ"500". المؤكد أننا لسنا بحاجة إلى "صندوق" قدر حاجتنا لنصف مساحة الربع الخالي في العام الواحد.

دعوني أقترح: صندوق الربع الخالي لإبراء الذمة.