سألته رأيه عن دعوات ومطالبات بعض المتطرفين في أوروبا بطرد المسلمين من هناك. بل تجاوزت ذلك إلى تذكيره - وهو المطلع سياسيا - بالتصريح الشهير للرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، الذي قال فيه ردا على طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي بأن الأخير للمسيحيين فقط! وبالتأكيد فإن رد الأكاديمي المطلع على مثل تلك المطالبات والتصريحات بأنها عنصرية بغيضة لأن الأرض لله يورثها من يشاء.. وعليه بادرته عن تغريدته التي طالب فيها بطرد غير المسلمين بشكل عام واليهود بشكل خاص من بلادنا وعدم السماح لهم بالعمل ولا حتى الزيارة.. فأسقط بيده، ولم يخرج جوابه عن أن تعاليم الإسلام يجب أن تتبع!
بعد التوطئة أعلاه فأنا وأنت وجميعنا نريد أن تطبق تعاليم الإسلام ونسعى لأجل ذلك، لكن أن نفصل التعاليم التي نريدها على مقاسنا ونرفض الأخرى التي لا تتفق مع أهوائنا - لا ديننا - فتلك مصيبة.. نعم فقد استفزنا كثيرا تقييد الحجاب في فرنسا، وآلمنا كثيرا أن تخرج أصوات تطالب بإيقاف المساجد والتضييق على المسلمين، رغم أن حكومات الدول المعنية ترفض ذلك من مبدأ حرية الأديان.. لكن ما يؤلمنا أكثر أن يفسر أحدهم القرآن الكريم والحديث النبوي على مزاجه ووفق أجندته التي ينتمي إليها.
وحينما يكون البوذي والهندوسي والنصراني وحتى اللاديني حاضرا بين ظهرانينا ويعيش معنا ويقاسمنا عملا ورزقا دون أن نرفع راية "امنعوهم.. اطردوهم" لأنهم مسالمون منتجون أحضرتهم حاجتنا وحاجتهم، لا أجنداتهم السياسية وفكرهم الديني، ولأن الأمر في الشأن الدنيوي وخلال فترة زمنية محددة، فكان من غير اللائق أن تلاحقه الآراء المتنافرة المطالبة بالويل والثبور، لأن لنا أسوة في سيرة نبينا العظيم وخلفائه الراشدين من بعده في المدينة المنورة التي عرفت أطيافا من المجوس واليهود والنصارى من المعاهدين، ومن يخل بالعهد فلا مكان له بيننا، وهو الأمر نفسه في العالم المتحضر في أوروبا وأميركا ولدينا أيضا، فالإخلال بالعهد من خلال تبني أجندات سياسية أو دينية وعدائية ضارة، يتطلب على الأقل الإبعاد والمنع.
قد يقول قائل "أنت وش عرّفك" دع الأمر لأهل العلم، وأحسب أن مثل هذا السؤال يجعلنا متأرجحي الرأي ضعيفي القرار من فرط ما ألبسنا ديننا كثيرا مما لم يقره، أو مما تركه لأهل الزمان والمكان يجتهدون فيه ويقيسون على ما هو مثله.. لكن لنأخذ بما كان عليه نبينا من خلال مجتمعه، ومنها إقراره - صلى الله عليه وسلم - اليهود على الإقامة بخيبر ليعملوا فيها بالفلاحة، لعجز الصحابة وانشغالهم عن ذلك، وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - عندما سئل: هل يجوز استخدام العمال من أهل الكتاب من اليهود والنصارى؟ فقال: "نعم يجوز ذلك، إذا دخلوا في تجارة أو عمل غير مقيمين دائماً فلا بأس".
ختام القول هو الدعوة إلى أن نكف عن الاجتهاد الضار الذي جعل منّا مختلفين جدا عن العالم، فكرا وتفاعلا، وبما أفضى إلى أن يخرج من بين ظهرانينا متطرفون لا يألون عن قتل النفس التي حرم الله، بل علينا أن نقف موقف رأي واحد لنناقش أسباب تعاظم الإرهاب وزيادة قسوته وتطرف فكره. وأحسب أن أطروحاتنا المتطرفة الرافضة للآخر كما هي المطالبات برفض الديانات الأخرى، سبب أول، لأننا نطرحها كما فعل الزميل الأكاديمي دون أن ندرك أبعادها وتأثيرها على النشء الذي يجعل منها مبدأ وعقيدة وحرباً على الآخرين.