ربع قرن من العطاء والسخاء والولاء للوطن والمليك والعمل المؤسسي ومعادلة لا حدود لها، حقق فيها وزير التعليم العالي السابق الدكتور خالد العنقري قفزات نوعية وكمية بخطى حثيثة وجهود ملموسة في كافة المجالات العلمية والإدارية لتلامس الإنجازات والمخرجات المتواترة.. بل كثير من التغييرات والتحولات والتحديات التي تقتضيها التطورات التقنية والمعلوماتية والحضارية المعاصرة حتى غدا أثر وزارة التعليم العالي واضحا ملموسا على خارطة وطن.

فعلى صعيد الجامعات، وصل عددها ضمن حقيبة "العنقري" الوزارية إلى 28 حكومية وإحدى عشرة جامعة أهلية بطاقة استيعابية عالية، موزعة على كل رقعة من وطني، مع تغييرات جذرية للوصول إلى هيكلة جديدة تمتعها "باستقلالية" كبيرة في المجالين الإداري والأكاديمي، وفي منعطف موازٍ، كان البرنامج التأريخي، برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي تجاوز عدد مستفيديه حتى هذا اليوم 180 ألف طالب مبتعث ومبتعثة يمثلون كل الأسر السعودية دون استثناء، ليتوزعوا على مختلف دول العالم، توسعت من خلاله الملحقيات الثقافية بطواقمها في جميع دول الابتعاث والتي يضاف إلى مهامها في الإشراف على الطلبة السعوديين الدارسين تنمية العلاقات وأواصر التعاون العلمي والتمثيل الثقافي بكل اتجاهاته من معارض للكتاب ومؤتمرات وندوات.

تميز "العنقري" باحترافية المسؤولين وأناقة الحضور والتواصل الأنموذج المشرّف، تحفها حماسة تكاملية تتناثر في كل اتجاهات الوزارة وزواياها حتى رؤاها.. كان يجتمع بالملاحق الثقافيين كل عام وجل اهتمامه دعم المبتعثين وتلبية احتياجاتهم والوقوف على متطلباتها وتنفيذها ومتابعتها.. كان يردد دائما: "أن قرار تعيين الملحق الثقافي يصدر باختياره وتعميد منه كوزير، ولكن المبتعث الأهم والرقم الأصعب فقرار بعثته بأمر من خادم الحرمين الشريفين وبرنامجه يحفظه الله".. تلك رؤية خالد العنقري لمن عايش العمل معه وتمعن قراراته، ونفذ تعاميمه الموسومة بمصلحة المبتعث أولا وآخرا..

تداول مواقف "خالد العنقري" الكثير استقبالا وحضورا ونبلا ودعما وحزما لتصبح صدى في القلوب والعقول إلى محصلة من العطاء، فكان تألقه بين أقرانه الوزراء متماهيا بعطاء سخي لصناعة المستقبل، فاستحدث أجهزة وقيادات تواكب حداثة العمل والإنجاز التام مع تطبيق متكامل للحوكمة الإلكترونية ولغتها التقنية.. لتكون "التعليم العالي" أقل الوزارات أخطاء أو عرضة لسهام النقد، ويعزو الكثير ذلك لكونه هوية مختلفة تعمقت في بحور الأوطان حد التفوق بعناق عشق مع حنكة مهارات قيادية ولغات حكيمة متقنة، فقاد إبراز المواطنة بما يليق ومكانة المملكة والولاء لها ولقائدها، مع إدارة عدة ملفات مفصلية في تعليم المملكة العالي بذكاء وحكمة تحفها المواطنة والعمل المجيد لوطن لا ينضب من المخلصين المبدعين.

وباختصار، "العنقري" وزير.. جمع عطاءاته وربع قرن من تكليفات ملكيّة حكيمة وثقة "مُصرّة" على ركضه المتواصل بعدة ملفات وطنية مفصلية في تاريخ "التعليم العالي" السعودي؛ فقادها باقتدار، لمسها الكثير استقبالا غامرا وبسياسة باب يومي مفتوح لاحتياجاتهم ومتطلباتهم، وتواضع النبلاء حتى حزمهم، مارس ثقافته الإدارية سلوكا لم يتخذها وجاهة أو امتيازا ذاتيا، بل وظفها مسؤولية برصانة وتجربة يحفها شغف المواطنة، حمل فيها مضامين ورؤى الوعي بالذات، فصنع أنموذجا مضيئا وتركة جميلة لمن بعده.. حتى حق لنا الفخر به على بوابة وزارة التعليم العالي السعودية وتاريخها كملحمة أنيقة وثمرة يانعة نثر فيها شعاع الإخلاص والمواطنة في سماء "خضراء" تنير الطريق للعابرين فقط إلى منصات القمم.

وحين أقرأ هذا الاسم الضخم – وبعد رحيله عن الوزارة - أجزم كذلك أنه (هنا) ومن قبل ليس في حاجة كي أكتب حرفا واحدا عنه بقدر أن نقف إجلالا لقصة وزير وطني عايشت العمل معه خمس سنوات من العطاء والحكمة والإنصاف والنبل، بل على مشاهدات قريبة من دعمه لعصامييّ وكفاءات أبناء الوطن، وشهادة "عصر" تحبو نحوه؛ تزرع القدوة لمن يقابله أو يعرفه أو عمل معه، مع رؤية لي وللأجيال القادمة نحو الأوطان.. "خالد العنقري" أكاليل وفاء نهديها لك بحجم الوطن مع شكر مسيّجٍ بشذا الوفاء لـ"قلبك" وأكثر!.

فاصلة: رحل خالد العنقري - يحفظه الله- عن الوزارة، وأتى خلفه خالد السبتي وفقه الله وأعانه.. فرزقت الوزارة بخالدين لا يخلد فيها سوى أثرهما.