اللقطة الأولى: قوات البشمركة ترفع شارات النصر في كركوك.

الثانية: عناصر "داعش" تحتفل بالموصل.

الثالثة: متطوعون "شيعة" في كربلاء.

والسؤال البديهي على من ينتصر البشمركة، وبماذا يحتفل الثوار، وعناصر داعش في الموصل، ولمواجهة من يتطوع شيعة كربلاء؟

كل "الثلاثة" من حيث الإقليم أو من حيث العرقية أو من حيث المذهب كانوا قبل سنوات معدودة تحت مظلة واحدة ودولة واحدة وحاكم واحد.

كان العراق وما زال حفيا بالأعراق المختلفة "عرب وأكراد وتركمان"، وكان العراق بلد الطوائف والمذاهب مسلمين ودروزا ومسيحيين بطوائفهم ويهودا وصابئة وغيرهم.

لكنهم رغم كل هذا التباين، وكل هذه الفسيفساء ينضوون في نسيج وطن واحد.

أما الآن فقد صاروا طرائق قدداً وأمماً شتى لا تحصى لاختلافهم عدداً.

في المقابل فإن هذا التحول الذي طرأ على العراق منذ الغزو الأميركي والذي جاء على حساب صدام حسين وفرقته الذين كانوا يحكمون العراق بقوة مفرطة، ونظام بوليسي صارم، وكان المواطن العراقي حينها يتوجس خيفة عند أي نقاش سياسي لأن الأرض العراقية كانت مزروعة بالجواسيس الذين يحصون على الناس أنفاسهم، ويؤولون كلامهم ويحاسبونهم تعسفاً على كل صغيرة وكبيرة، ولم يعد العراقي يثق بأقرب الناس عنده، لأن النظام قد استفحل شره وتجبر وعهد إلى زرع السميعة والمباحث داخل أفراد العائلة الواحدة، وهكذا ساد الشك وفقدت الثقة بين الناس، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فهاجر العراقي إلى أصقاع الأرض هرباً من هذا الاختناق، ومن تجبر نظام صدام الذي كان يعدم الإنسان فقط لمجرد الشك فيه، ومن هنا استطاع أن يصمد رئيساً لفترة مديدة.

وقد هلل العراقيون مع الزحف الأميركي بحجة مفتعلة وهي القضاء على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وهم يتطلعون إلى التخلص من هذا الكابوس الجاثم فوق الصدور.

لكن الغزو الأميركي "الغشيم" لم يحسن ترتيب الأمور بعد القضاء على النظام العراقي البعثي، فكانت الأرض فرصة سانحة لتسلل إيران والفيالق الشيعية المتطرفة، وهذا بدوره استدعى التطرف القاعدي المقابل ثم تحولت المناوشات من رغبة في التموضع وأخذ حصة من كعكة النظام إلى تناوش طائفي، وكانت المحرضات التي تهب من الجبهات المحيطة تعزز من هذا الانفراط الذي جعل العراق المتجانس سابقاً نهباً للطائفية والعرقية والمذهبية والدينية.

وصار العراق مسرحاً للصراع الإقليمي والدولي وساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الإقليمية أو التنازع الطائفي.

وما زلت أتذكر كلما تابعت أحداث ويوميات العراق المثل الشعبي الذي يقول: "الله يحلل الحجاج عند ولده".

وهكذا صار الناس يترحمون على عهد صدام الذي لم يكن عادلاً في تجبره وسخطه، ولم يكن يفرق في ظلمه بين طائفة وأخرى، وهنا يكمن السر في تمكنه من السيطرة على الوضع وإخماد أي منزع طائفي في ذلك الحين.

ومن هنا فإننا نتفاءل بالتحول الذي يعيشه العراق حالياً بعد مجيء حيدر العبادي خلفاً لنوري المالكي، ونأمل أن يتنفس إخواننا في العراق روح العدالة والمساواة لكي يقولوا الحمد لله الذي رحمنا بهذا التغيير وهذا التحول.