بدخول مصر العام الجديد، تكون رحلة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الصين، حيث استقبله الرئيس الصيني شي جين بينج، قد أتاحت الفرصة لبلاده، وربما للمنطقة العربية بأسرها، من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا، لتلعب دورا أساسيا في سياسة الرئيس بينج الخاصة بإحياء "طريق الحرير البحري"، الذي يتيح الفرصة لتنمية زراعية صناعية كبرى، ولتحلية المياه، ولانفجار هائل للتجارة بين الشرق الأوسط وآسيا.

من جانب مصر، بدأ تيار التحالف المعزز بالثقة عندما تولى السيسي رئاسة مصر في وقت سابق من العام المنصرم، اتخاذ إحدى المبادرات الأولى في مجال الاقتصاد والموارد البشرية بالشروع في "محور قناة السويس الجديدة" الذي سمي رسميا بـ"مشروع تنمية ممر قناة السويس".

وهذا المسعى الطموح والمستقبلي المنحى هو أكثر من مجرد حلم، بل هو خطة لتطوير المدن وإنشاء طرق جديدة للتجارة، فضلا عما يقرب من 42 مشروعا، يحتل ستة منها الأولوية القصوى.

ومن الجانب الصيني، انتقلت إمكاناته بسرعة أكثر، أولا عندما غير الرئيس بينج اتجاه الاقتصاد العالمي في 7 سبتمبر 2013 بخطاب في جامعة نزارباييف في أستانا، كازاخستان، داعيا إلى تطوير الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الذي يمتد من المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق. وقال يجب علينا توسيع وتطوير "أوراسيا" بإنشاء حزام اقتصادي على طول طريق الحرير. ويُعدّ ذلك الخطاب واحدا من 12 حدثا مختلفا، منذ ظهور بينج كأول رئيس صيني في منظمة شنغهاي للتعاون.

وبحلول ربيع 2014، أعلن الرئيس بينج عن رؤية تُعد أكثر تحديدا للتعاون الدولي فيما سماه "طريق الحرير البحري"، وهو مفهوم عرضه شخصيا على المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عُقد في بكين يوم 5 يونيو2014.

وهناك، أكد بينج التزامه وخططه لطريق الحرير الجديد وطريق الحرير البحري. وفي ذلك المؤتمر، قال "إن العقد المقبل يُشكل فترة حاسمة للتنمية في الصين والدول العربية، على حد سواء، مما يدعونا للمضي قدما في طريق الحرير لتجديد بلداننا. وأضاف بأن التعاون ينبغي أن يقوم على أساس ألا تدعي دولة السيادة على دولة أخرى.

ومع أخذ هذه الخلفية في الاعتبار، فإن الرئيس السيسي قد وعد بأن تكون زيارته للصين، التي استغرقت أربعة أيام بدأها يوم 23 ديسمبر، حدثا تاريخيا، لتوسع الاستثمارات الصينية في مصر، وظهور مصر كواحدة من الدول الرئيسة المشاركة في برنامج طريق الحرير البحري.

وقبل مغادرته القاهرة متوجها إلى الصين، قال الرئيس السيسي للصحفيين الأجانب إن مصر تعتزم أن تصبح مشاركا رئيسا في برنامج طريق الحرير البحري الذي يروِّج له شي جين بينج.

وعبر كل من طريق الحرير الجديد وطريق الحرير البحري سيتم إنشاء ممرات التنمية وخطوط النقل في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وأفريقيا، مما يوسع كثيرا من التكامل الاقتصادي والاعتماد المتبادل.

ولجعل أفكار طريق الحرير الجديد وطريق الحرير البحري واقعا وأكثر إلحاحا، بدأت الصين في إنشاء بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية، الذي أيدته حتى الآن 20 دولة آسيوية، لتمويل مشاريع النقل وتطوير ممرات تمتد من الصين عبر أوروبا الغربية.

تؤدي مصر دورا محوريا في مخطط طريق الحرير البحري، الذي يبدأ في مقاطعة فوجيان بجنوب شرق الصين، ويمر عبر مضيق ملقا في المحيط الهندي وإلى الساحل الشرقي لأفريقيا في نيروبي، كينيا. ومن نيروبي يمتد الطريق حتى القرن الأفريقي في البحر الأحمر، ثم عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط.

وفي مؤتمر صحفي له قبل مغادرته متوجها إلى بكين، أكد الرئيس السيسي أن مصر بوابة مثالية لتوسيع مخطط العلاقات الاقتصادية الصينية لتشمل القارة الأفريقية بأسرها. ودعا الصين للمشاركة بطريقة واسعة في تنمية ممر قناة السويس، التي هي جزء من توسع كبير للقناة التي تهدف إلى مضاعفة حركة المرور على مدى السنوات القليلة المقبلة، وإلى بناء وسائط متعددة للتخزين والنقل، وتطوير ممرات المدن الصناعية.

وعلى الرغم من أن مشروع توسعة قناة السويس، الذي يكلف 4 مليارات، تقوم بتنفيذه العمالة المصرية وشركات البناء المصرية، تحت إشراف فيلق مهندسي الجيش المصري، إلا أن بناء الممر وطرق النقل تعد أعمالا مفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية والمقاولين الأجانب.

ومن المقرر أن تطرح العطاءات للبدء في تنفيذ هذه المشاريع في يناير الحالي. ومن المقرر أيضا أن تكون توسعة قناة السويس مفتوحة للأعمال التجارية في أغسطس 2015، علما بأن تنفيذ أعمال التوسعة تسير وفقا للجدول الزمني المحدد لها.

وخلال اليومين الأولين من اجتماعاته في الصين، أكد الرئيس السيسي أن أبواب مصر مفتوحة على مصراعيها أمام الاستثمار الصيني في أربعة مجالات ذات أولوية: الطاقة والبنية التحتية والسكك الحديدية وتطوير الموانئ.

وقبيل الزيارة، شكَّل رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب مجلسا على مستوى وزاري للتركيز على التعاون مع الصين.

في الوقت الراهن، تبلغ قيمة التجارة بين الصين ومصر نحو 11 مليار دولار سنويا، مع عجز في الميزان التجاري يبلغ 6.7 مليارات دولار. ويُنظر للاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة المصري على أنه نطاق واحد، إذ إن الفجوة يمكن أن تضيق مع توسع التجارة العامة بشكل كبير. وأكد السيسي أن وراء التوسع التجاري بين البلدين، تأمل مصر في تجارة متعددة الأطراف بين الصين ومصر وأفريقيا بأسرها.

وكجزء من الوفد المصري، انضم عدد من كبار رجال الأعمال المصريين للرئيس السيسي، وفي يوم 24 ديسمبر، اجتمع مجلس الأعمال المصري-الصيني لرسم سلسلة من خطط الاستثمارات المشتركة. وكان من المتوقع أن يتم توقيع 30 اتفاقية ثنائية قبل اختتام الزيارة الرسمية.

وبموجب القانون المصري، تمثل نسبة العمالة الأجنبية فقط 10% من القوة العاملة في أي مشروع، بغض النظر عن نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر. ويعلم الرئيس السيسي أن من أهم التحديات التي يواجهها هي توسيع نطاق العمالة المنتجة للمصريين، وأن الانطلاق الصيني-المصري يمكن أن يولد الثقة والتفاؤل لما هو مطلوب.

في الواقع، يتيح التعاون المصري- الصيني الأمل ويوفر الفرص بما يعود بالنفع على مصر، بشكل يؤثر إيجابيا على المنطقة كافة.