أن نطلق على فضائيات الهياط والإبل "القنوات الشعبية" فهذا توصيف صحيح، لماذا؟ لأن هذه القنوات تعكس بكل وضوح وشفافية ذلك القعر العميق في اللاوعي الشعبي، والمكون من أدبيات الفخر الكاذب والتعالي والمنافسة والمغالبة باسم القبيلة وتاريخها البطولي الزائف الذي لا يقوم إلا على أمجاد العصبيات و"الهياط".

نكوص عجيب إلى القبيلة في عصر الدولة. وحنين مريض إلى البعير في عصر الطائرة. وسباقات وجوائز على أجمل ناقة، بمواصفات ومقاييس لا يعرفها إلا الراسخون في المزايين.

عشرات الملايين تدفع في "ناقة" لها اسم وشجرة عائلة، وربما دم أزرق، وسباقات طويلة خلف "المنقيات"، ومشاجرات قبلية على هامش تلك السباقات.

اللغز المحير في هذه القنوات أنك لا ترى "استديو تحليليا"، مثلا، يشرح لنا من خلاله المختصون والمهتمون بهذه المسابقات الشعبية؛ الفارق بين ناقتين أو "منقيتين" تتنافسان على الجائزة، يأخذني الفضول لمعرفة هذه الفوارق بين النياق والبعارين المتسابقة. فأنا شخصيا لا أستطيع أن أفرق بين عشر نياق تستعرض أمامي على الشاشة، ولا أعرف لمن يصفق ويصرخ المشجع الراكب فوق سيارة "الشاص"، ولا أعرف ما الذي يطارده خلف الإبل؟!

المهم في هذا كله، هو الآثار التي تتركها مثل هذه الفضائيات وتعززها في وجدان عامة الناس. من استعادة أمجاد القبيلة، وأدبيات الفخر الكاذب والعصاب الفحولي المصاحب لها. أمور تترك آثارها على المدى البعيد، في ترسيخ ثقافة فوضوية لا تعترف بمدنية أو حضارة.