لا حديث يعلو فوق حادثة مجلة "شارلي إيبدو" التي سخرت مرارا وتكرارا من الدين الإسلامي ورسوله الأعظم، فاستفزت رصاص الغاضبين المتطرفين فمضى 12 فردا من رسامي وحراس المجلة إلى حتفهم، ثم تبع ذلك حشد من الشجب والتنديد، وقابله كذلك حشد من التصفيق والتأييد.

الشاجبون المنددون يقولون إن ما أقدمت عليه المجلة يقع تحت طائلة الديموقراطية وحرية التعبير التي يصونها القانون الفرنسي، فيما يرى المؤيدون أن ما أقدمت عليه المجلة هو من التعدي والتجاوز على معتقدات ومقدسات مليار مسلم ويزيدون، ويرون أن هذه المقدسات جديرة بأن تصان وأن تحترم مشاعر معتنقيها.

ولم يكن هذا الصراع بين هذه المجلة ومعترضيها وليد هذه الأيام، بل إن الاعتراض لم يقتصر على المسلمين الفرنسيين، ولكنه وصل إلى رئاسة الجمهورية خلال فترة الرئيس "ديجول"، وتم إغلاق المجلة حينها، والحال كذلك مع "جاك شيراك" فيما تم تحذير رسامي المجلة وتهديدهم والطلب إليهم بالكف عن السخرية بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، وقد تم حرق مقر المجلة في إحدى المرات لكن المجلة لم ترتدع، ولم ترضخ لهذه التهديدات واستمرت ماضية في نهجها تحت مظنة الديموقراطية وحرية التعبير التي يجب ألا تمس، مما قاد أخيرا إلى الحادثة الأخيرة التي هزت العالم في تظاهرة حاشده تنتصر للحرية في مواجهة المعارضة المسلحة!

حسنا:

أنا أرفض بشده هذا الأسلوب الدموي المتطرف في الاعتراض، لكنني بالمقابل أرفض هذا الأسلوب المتعدي والمعتدي من المجلة، وأتطلع إلى استصدار قانون فرنسي يحمي مقدسات وعقائد الناس من المساس والتجريح والسخرية، لأن حرية التعبير يجب أن تقف ولا تتعدى الحدود إلى إيذاء الآخر في لونه أو عرقه أو دينه، وكان يجب أن يدخل تجريح الأديان قانونيا تحت طائلة العنصرية.

لا نتحفظ على رسومات "شارلي إيبدو" لمجرد أننا مسلمون ـ مع جدارتنا بذلك ـ لكن العلمانيين الفرنسيين هم الذين تحفظوا واعترضوا وتذمروا من تجاوز المجلة على أعلى المستويات، وعدّوا أن حرية المجلة تجاوزت حدودها إلى منطقة الإيذاء واقتحام الخصوصية، ومن هنا فقد اشتكوا المجلة وتم وقفها أكثر من مرة.

ولهذا يجب استصدار قانون يحمي المقدسات من التطاول، ويجب على الجالية الفرنسية المسلمة أن تسعى جهدها لتحقيق ذلك، ويمكنها بشيء من التضامن والترافع أمام القضاء الفرنسي الوصول إلى إقرار هذا القانون، وحالهم في ذلك يجب أن يكون مثل حال اليهود الذين استطاعوا بتكاتفهم وضغطهم الاقتصادي تحريم المساس بـ"السامية"، نقول ذلك حتى يغلق الباب أمام الغلاة والمتطرفين الدواعش الذين يرسمون صورة وحشيه مغايرة لسماحة الإسلام، ونقول ذلك حتى لا نسهم في إشهار مواقع لم تكن من قبل شيئا مذكورا، ومن ذلك مجلة "شارلي إيبدو" التي بحسب آخر الأخبار الواردة أنها ستعمد إلى طباعة مليون نسخة من عددها الجديد بدعم من "جوجل" وهي التي كانت تطبع 60 ألف نسخة، علما أن غلاف عددها الأخير ستتصدره للأسف الشديد لوحة مرسومة أيضا للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرفع لافتة مكتوب فيها: "كلنا شارلي" وفي رأس الغلاف عبارةTOUTEST PARDONNE ومعناها التقريبي أسامحكم جميعا.

باختصار لم يكن الإسلام العظيم الذي يتنامى انتشاره؛ بحاجة لمثل هذا العنف والتطرف.

ولم يكن المسلمون في فرنسا بحاجة للتضييق ومزيد من التشكيك، وكان يغني عن كل هذا قدر بسيط من التضامن وتجميع الموالين بالحسنى، والسعي عبر المنصات القانونية لإصدار قانون يحمي مقدساتنا ومعتقداتنا.