هل دور المعلم وظيفي.. أم أبوي تربوي يربي النفس كما الدرس؟ في هذا الشأن وبدون زعل نكاد نتفق على أن مخرجات التعليم لدينا قد جعلت من المعلم موظفا لا تربويا، ليس إلا معنيا فقط بالإلقاء والتصحيح ولا عليه من أي شيء آخر. لذا اندثر كثير من الموهوبين، وامتلأت الرؤس بأفكار وحديث الفارغين، حتى بتنا نستقدم الأفكار والإبداع.. لا نصنعهما، أو حتى محاولة اكتشافها بين أبنائنا وبناتنا.

في هذا الشأن لفتت نظري قصة عن تلميذ أنقذه عطف معلمه ورعايته له ليتكشف عن مبدع نال تفضيلات كثيرة حتى إنه قاد شركات كبرى في السعودية. بالطبع هذه القصة لا يعرفها إلا القريبون من صاحب الشأن الذي أبدع في بناء شخصيته وتنمية موهبته. وأؤكد ألا دور لي في طريقة عرضها وتسلسلها، بل أنقلها كما هي من صاحبها لعل فيها درسا وعبرة لتعليمنا. فكم من شخصية هدمناها وكم من محتاج للمساعدة كي يبني شخصيته زدناه سوءا.. اقرؤوا قصة الطفل ومعلمه وعودوا بذاكرتكم، فكم طفلا وطفلة لدينا يشبهانه، وما الذي يحتاجه معلمونا كي يصبحوا مثل المعلم؟

يقول صاحب القصة: "كنت في الصف الأول ابتدائي وحتى الثالث. لا أتذكر غير قليل مما قيل لي إنني كنت مشرقا نظيفا ذكيا، لكن الحال تبدلت، بعد الصف الثالث مباشرة توفي والدي فجأة، فكان من غير اللائق أن تبقى سيدة شابة في منزل يضم أخوان والدي، لتنتقل إلى منزل أهلها المتواضع قبل أن تتزوج، وأبقى لدى جدي الذي ورثني عن أبي، فكانت الصدمة كبيرة.. على صحتي وتفكيري، بعد أن فقدت الحنان والرعاية والأكل الجيد، لأكون الطفل الغبي الكثير السرحان في الفصل، ممن يتجاوزه المعلمون لثقتهم أن هذا المتسخ الثياب الشارد الفكر، لا نفع منه أبدا. في الصف الخامس كانت الحال كما هي، إلا أن معلما جديدا حضر، علق بذهنه حديث بين بعض المعلمين عن كيفية تجاوزي للصف الرابع وأنا من يستحق العودة إلى الصف الأول. بدأنا نكتب موضوعا تعبيريا عن الوالدين، قرأه المعلم الجديد واكتشف من عباراته المتناثرة الممزوجة بسوء الخط وميلانه، أنني تمنيت أن أموت كما أبي المتوفى.. هنا استدرك المعلم وعرف من خلال سجلي في المدرسة تاريخ وفاة أبي وسيرتي الدراسية المتميزة حتى نهاية الصف الثالث.. فكان أن أبدى اهتماما كبيرا بي، بل إنه غرس الثقة في غرسا، لم يكتف بذلك بل جعلني أحد الأعضاء والمنظمين للرحلات والاجتماعات، فكان أن تغيرت حياتي ونتائجي الدراسية، بفضل من الله ثم منه وبفضل الثقة الكبيرة التي جعلني عليها، وواصلت حتى كنت الوحيد من منزل جدي الذي نال درجة الدكتوراه وفي تخصص قليلون من يدركونه.. وها أنا اليوم أعيش النجاحات تلو النجاحات بفضل معلم سخره الله لي لينتشلني من الغباء الذي وضعني فيه المجتمع رغما عني دون أن يدرك تغير حالي وظروفي".

أصدقكم القول إن هذا الرجل ممن يعنى بمسؤوليات كبرى والإعلام يتحدث عنه كثيرا، ولولا احترامي لطلبه لذكرت اسمه هنا. والأهم بعد قصة النجاح نعيد التساؤل عن: كم تلميذا هدمنا شخصياتهم؟!

إهداء لكل المعلمين مع انتهاء الفصل الدراسي.. وكل عام دراسي ونحن أفضل وأكثر إخلاصا في عملنا.