الكادر القيادي الأخير في وزارة التربية والتعليم بقيادة الأمير فيصل بن عبدالله بما يتسم به – كما يفترض – من قوة وقدرة ونفوذ واعتدال تم اختياره بعناية – حسب رأيي – ليكرس منهج الاعتدال في الوزارة ويواصل عملية التطوير على أسس سليمة، وليواجه – بقوته ونفوذه واعتداله ومقدرته – منهج التشدد الذي سيطر على الوزارة ردحاً طويلاً من الزمن، وكان الأمل والمتوقع أن تبرز نتائج هذا التوجه في جميع أوجه الحراك في الوزارة بما في ذلك تطوير المقررات المدرسية... ولذلك فقد فاجأنا هذا الكادر القيادي في الأيام الماضية مرتين.. الأولى عندما اتضح أن من ضمن المقررات المدرسية الدينية الجديدة للمرحلة الابتدائية كتاباً اشترك في تأليفه شيخ متشدد له فتاوى ممعنة في الجرأة والشذوذ والغرابة، ثم فاجؤونا مرة أخرى بالبيان الذي أصدروه بعد الضجة الكبيرة والاستنكار الواسع، إذ بدلاً من الاعتراف بوجود ضعف في المتابعة أدى لعدم اكتشاف الخلل قبل فوات الأوان خاصة أن الشيخ المتشدد كان قد تم تكليفه في وقت سابق في عهد الوزير الأسبق محمد الرشيد... بدلاً من ذلك برروا لما حصل بأسلوب يعطي الانطباع بأنهم على علم بتكليف ذلك الشيخ وأن وجود اسمه على المقرر كان تقديراً لجهوده وليس لهم أي تحفظ على تكليف المتشددين بتأليف مقررات العلوم الشرعية مادام ما سيقدمونه في مؤلفاتهم يعتمد على ما ورد في الكتاب والسنة، فالآراء الشخصية خارج سياق المقررات – على حد ما ورد في البيان – لا تعني الوزارة.

حسناً.. إذا كان الإخوة في الوزارة يقولون هذا ويصرون عليه فإني أقول إن عذرهم أسوأ من ذنبهم، لأنه يعني أمرين مهمين: الأول أنهم قد يستمرون في تكليف المتشددين بتأليف الكتب المدرسية حتى لو كانوا مثل المقدسي... والثاني أنهم لا ينتبهون إلى أن المتشددين لا يأتون بنصوص لم ترد في الكتاب والسنة، بل يستندون إلى ما ورد في الكتاب والسنة، وتشددهم يأتي من فهمهم للنصوص وتفسيرهم لها.

بصراحة ما ذكره الإخوة في وزارة التربية والتعليم عن الآراء الشخصية وكونها لا تعنيهم هو أمر بالغ العجب ويثير الدهشة الشديدة، ويجعل المتأمل يسألهم عن المعايير التي يعتمدون عليها في اختيار المؤلفين إذا كانوا لا يأبهون بآرائهم الشخصية..؟

مجمل الآراء الشخصية للمتخصص في العلوم الشرعية أيها الإخوة الكرام في وزارة التربية هي مجمل اجتهاداته، والاجتهادات في الشؤون الدينية هي التي تحدد لا نقول فقط درجة تشدد الشخص واعتداله، بل نقول تحدد أيضاً مدى قدرته على التأليف، فإذا كان الإخوان في الوزارة لا ينظرون لتلك الآراء الشخصية التي هي الاجتهادات فإلى ماذا ينظرون إذن..؟ هل يغمضون عيونهم ويمدون أيديهم ويختارون بطريقة شختك بختك..؟

النقول غالباً لا عبرة لها في تحديد مدى قدرة المتخصص، بل العبرة للآراء الشخصية والاجتهادات، ولذلك فمؤلفات المتخصص ومحاضراته بل مجمل إنتاجه لا يمكن أن يقوم على النقول التي يأخذها من هنا أو هناك، إنما على آرائه واجتهاداته أي على استنتاجاته، أي على إبداعه، فكيف يقول الإخوة في وزارة التربية إن الآراء الشخصية عند اختبار مؤلفي الكتب المدرسية لا تعنيهم..؟

ثم إن من يتأمل في بيان الإخوة في الوزارة يظن أن الوزارة بها (مطبخ) ضخم للتأليف، يستطيع أن ينقح كل كتاب ويراجعه ويكتشف ما فيه من مغاز وأهداف بعيدة، وأنه بالتالي لا خطر من اشتراك المتشددين في تأليف الكتب طالما أنها ستمر بـ(فلتر) الوزارة الضخم القادر، لكن حقيقة الأمر أن هذا غير صحيح، إذ لو كان صحيحاً أن في الوزارة متخصصين أكثر قدرة من أولئك الذين يتم تكليفهم من المؤلفين والمراجعين لما احتاجت الوزارة لتكليف مؤلفين ومراجعين ولقام بالمهمة (مطبخها) الضخم المزعوم.

بصراحة ما حصل يعطي الانطباع بأن منهج الوزارة في اختيار مؤلفي ومراجعي الكتب غير مقنع، أو على الأصح غير موجود، وكيف يمكن القول بسلامته وبوجوده بعد أن حصل ما حصل، فهل من المقبول أن تكون عملية تطوير المناهج بلا منهج..؟