من المسلمات التي تثبتها الأحداث والمناسبات الثقافية والاجتماعية في كل الأماكن والأزمان، هي أنه لا يمكن إرضاء الجميع بأي حال من الأحوال. ولذلك فقياس النجاح والفشل يكون نسبيا، فإن طغى الطرف "الموجب" على "السالب"، استطعنا أن نقول إن الجهة المنظمة حققت نجاحا جيدا.

ولأننا في وسط فعاليات مهرجان سوق "عكاظ" الذي يقام في محافظة الطائف فإنه من الطبيعي أن تكون الأنظار متجه له، خصوصا من جانب المثقفين والأدباء الذين يرون أنهم الأحق به بصفته فعلا ثقافيا قبل أي شيء آخر. ومن الطبيعي كذلك أن توجه لبعض جوانب التنظيم فيه سهام النقد الحادة أحيانا، وعلى القائمين على تنظيم هذا التجمع الثقافي الهام أن يتقبلوا الأمر بصدر رحب، خصوصا وأن تعديل موعده هذا العام قد يكون أهم سبب في ما حدث من ارتباك ولغط في جانب الدعوات وغيرها من الجوانب التنظيمية.

من يتتبع مسيرة هذا الحدث الهام الذي أعاد التذكير بحقبة تاريخية وثقافية عريقة في الوجدان العربي يلحظ أن أهم مشكلة يواجهها وتسبب للمنظمين الكثير من المتاعب والانتقادات هي محاولة المزواجة بين النخبوي "الأدبي /الفني"، والفعل الشعبي العام، الذي يتمثل في محاكاة نمطه التقليدي قبل حوالي 1500 عام، حينما كان سوقا اقتصادية وثقافية ترتادها جميع طبقات المجتمع، إلى جانب فطاحلة الشعر وعلم الكلام.

فـ(السوق / المهرجان) يحاول السير على الحبلين في وقت واحد، وهي مهمة ليست سهلة بالطبع، في زمن انفصل فيه الأدب العربي الذي يتم تدريسه في جميع مراحل التعليم العالي والعام ـ إلى حد كبيرـ عن القاعدة الشعبية العريضة التي اختطت لها نهجا آخر هو الآداب الشعبية الشفاهية التي تختلف من منطقة إلى أخرى. ففي أيام سوق عكاظ التاريخي كانت لغة الأدب واللغة المحكية على جميع المستويات موحدة بدرجة كبيرة، فلم يكن هناك تنافر بين أبيات الشاعر الكبير وحديث عامة الناس إلا في بلاغة التعبير وقوة التصوير والخيال. أما الآن فالأدب العربي يحلق في مدارات مختلفة عن المدار العام الذي يعيشه الناس ويتخاطبون في حدوده.

إذن فمعضلة سوق "عكاظ" هي في طرفين يشدان حبلا واحدا، وكل طرف يدعي أنه الأحق بالفوز به بصفته الأقوى. ولذلك تجد من يقول يجب أن يكون مهرجانا شعريا فقط، وآخرون ينتقدون إدخال الفنون الحركية عليه. وطرف ثالث يرى أنه مهرجان سياحي أكثر منه ثقافيا وفكريا. وذلك بحجة أن معظم مرتاديه يأتون لتقضية الوقت فقط والاستمتاع ببعض الفعاليات الجانبية غير الأدبية.

ولذلك أعتقد أنه سيستمر الجدل حول المهرجان حتى في الدورات المقبلة. ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد سلبيات ومشكلات في آلية التنظيم، بل توجد وتحتاج إلى حلول عملية، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لكل من لديه أفكار تطويرية قابلة للتنفيذ أن يكون ضمن طواقم التخطيط والتنظيم.