تعالوا بنا نتساءل معاً، في ظل هذا الصمت، من "أهل الذكر"، عن هذا اليقين الذي يهيمن على عقل أحد الإرهابيين القتلة حتى إنه ليدفعه إلى تفجير نفسه لِيُسقط أكبر عدد ممكن من الضحايا، على أمل نيل الشهادة!! رجاءً تعالوا بنا نفكر، فثم آلاف حول العالم الآن يفخخون أجسادهم، ارتقاباً لساعة التفجير، ساعة الصفر الكبير الذي يومِض في وجوهنا كلما نجح أحد هؤلاء القتلة، وسقط منا شهيد، كالشهيد الشاب يحيى بن أحمد علي نجمي، الذي استشهد في الهجوم الإرهابي الغادر بالحدود الشمالية، وكان يستعد لإتمام مراسم زفافه بعد عودته من عمله - زوجه الله من الحور العين، وجعل قراره وقرار جميع شهدائنا عليين-.

تعالوا بناء نفكر فلدينا أزمة تعطل في وظائف التفكير على ما يبدو أفرزت مثل هذه الحالات المرضية المتأخرة التي أصاب عقولها ميكروب سعار الدم، فأصبحوا مصاصي دماء من فصيل متطور، لا يكتفي بقتل الآخر، بل يفتك بنفسه أيضاً، مثل أي ميكروب متحور عالي الضراوة.

تعالوا بنا نفكر ربما نصل إلى إجابة عن تلك اللحظة، التي تبدأ فيها عملية الأدلجة القاتلة هذه؟ عن الطريقة التي ينجح بها أحدهم في إقناع شاب بأن قتل الآخرين -حتى إن كانوا مسلمين موحدين يَصُفُّون أقدامهم إلى جانب قدميه في المسجد "خوفاً وطمعاً"- سبيله إلى مرضاة الله!! رغم معاتبة النبي – صلى الله عليه وسلم- سيدنا أسامة بن زيد في قتله رجلاً كافراً نطق الشهادة حتى ينجو من القتل. فإن كان المُرسَل رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم يعتب على صحابي جليل في قتل مشرك محارب نطق الشهادة طلباً للنجاة، فما بال هؤلاء يقتلون ذا النورين، عثمان بن عفان – رضي الله عنه-، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المبشَّر بالجنة؟! هذا ما كنت أقوله لنفسي دائماً حتى أهدأ إثر كل ثورة نفس على هذا الجنون الذي نعيشه، كلما خضب دم رجال أمننا قمصانهم وهم يسقطون في ميدان البطولة والفداء من أجل أن نعيش جميعاً آمنين هانئين مستدفئين وسط أبنائنا وزوجاتنا في ليالي الشتاء، وقلوب أطفالهم وزوجاتهم وأهليهم بعد غيابهم أصبحت في العراء.

نعم هؤلاء هم أنفسهم قتلة عثمان، النفوس المريضة بسعار الدم، يتواصون بالجريمة نفسها منذ عهد قابيل قاتل أخيه، هذه الكائنات المسكونة بالكراهية، التي لا تعرف سبيلاً لحسم الاختلاف مع الآخر سوى قتله، فعلى مدار تاريخنا الطويل مع الإرهاب الأسود، لا نعلم أنه كان لأحد ممن تم تصفيتهم أو استسلامهم من هذه العناصر تاريخ في الحوار أو الكتابة أو التواصل على أي نحو سلمي مع من يختلف معهم، معظمهم حدثاء أسنان يهيمن على عقولهم رؤوس جهل وتطرف وحقد يعصّبون أعينهم، ويلفون الأحزمة الناسفة حول خصورهم، ثم يسلطونهم في اتجاه بلادهم وجيرانهم وأهلهم، يقتلون على الهوية لا يفرقون بين عدو أو رجل أمن يحمي أهلهم، وبالأمس القريب كان يحميهم هم أنفسهم.

أقول تعالوا بنا نفكر، لأنه لم يعد يكفي أن نشجب أو نرفض أو نُجَرِّم أو حتى نُحَرِّم يا أصحاب الفضيلة علماءنا الكبار، فالوضع تجاوز هذا الأداء التقليدي المتواضع، وهؤلاء الحفنة من المجرمين يشككون في صحة فتاواكم، ويُغْرون بكم المراهقين والجهال. إن ما نحتاج إليه الآن مناقشة جميع الحجج الباطلة التي يمررها هؤلاء على عقول الشبان. ما نحتاج إليه الآن طرح هذا الفكر الإرهابي المريض على طاولة النقاش وتعريته وكشف أباطيله على الملأ، في الصحف والفضائيات ومواقع التواصل والمدارس والمنابر، اطرحوا حججهم، ناقشوها، أمام الناس، حتى لا تصحو كل يوم أسرة من نومها فتجد صورة أحد أبنائها في قوائم المطلوبين، وتصحو أخرى فتقرأ نبأ وفاة ابنها في قوائم المستشهدين.

ولقد أثبتت التجربة، بل التجارب، الخبرة الأمنية الكبيرة والإمكانات الفائقة التي تجعل أمثال هذه الميكروبات في قبضة وزارة الداخلية خلال ساعات من اقترافها جرائمها، وأن رجال أمننا قادرون على ردع كل من تسول له نفسه الاجتراء على أمن بلادنا، لكن أمننا الفكري، أتصور أنه مهمة أطراف أخرى، ينبغي أن تتحرك بجدية ووفق استراتيجية واضحة المعالم، وليس ذر الرماد في العيون بشجب هنا أو إدانة هناك.