من المعروف أن القدوة الحسنة من أهم صفات المعلم الناجح، وذلك لأن الطلاب يتأثرون بمعلميهم بدرجة كبيرة، حتى إن بعض الطلاب يعمدون إلى تقليد معلميهم في كثير من السلوكيات، أو التصرفات، والبعض الآخر يحاكي ما يقوم به المعلم، أو المعلمة في الصف بعد نهاية اليوم الدراسي، وبذلك فالمعلم يجب أن يكون قدوة طيبة لطلابه، ولا بد أن يتوقع أنهم سيحاكون كثيرا من تصرفاته ومواقفه في الصف، وخارجه، وفي هذا المجال قدمت لي ابنتي ذات السنوات السبع أنموذجا رائعا في تقليد معلماتها، ومحاكاة ما قمن به على مدى السنوات الثلاث الأولى من عمرها التعليمي النظامي "التمهيدي، الصف الأول، والثاني الابتدائي"، وحرصت على متابعتها فيما تقوم به من محاكاة لمعلماتها من دون أن تعرف ذلك، كي استنتج منها كيف كانت معلماتها يعاملنها في كل مرحلة، وخلصت إلى الكثير من الجوانب التي سيتم عرضها في ثنايا هذا المقال.

فمعلمة التمهيدي كانت تعامل الطالبات معاملة جميلة جدا، وبها نوع من العطف، والحنان، وكانت تتحدث إلى الطالبات وكأنهن جميعا بناتها من دون تمييز، وكسبت ودهن جميعا، وأقبلن على حبها، ووثقن بها بدرجة كبيرة، ففي الصباح تعوّد الطالبات على إلقاء السلام على المعلمة، ويتم سؤالها كيف كان يومها السابق، وتبادلهن السؤال نفسه، وهذا يزيد من التآلف بينها وبين طالباتها، وكانت تستمع لكل واحدة منهن وكأنها الطالبة الوحيدة عندها، وهذه الأساليب التربوية عززت لدى الطالبات حب المدرسة، وجعلت البيئة المدرسية بيئة جاذبة لهن، وحقيقة الأمر أن هذا النوع من المعلمات هو الذي نحتاجه في مدارسنا كي نعمل جميعا على إيجاد بيئة تربوية، وتعليمية، وتعلمية، ويتم تحقيق أهداف العملية التربوية والتعليمية بدرجة عالية من الجودة.

أما معلمة الصف الأول الابتدائي فمن خلال المحاكاة والتقليد التي تابعتها لابنتي خلال ذلك العام، وجدت أن معلمة الصف التي تقوم بتدريس معظم المقررات تقوم بتدريسهن بأسلوب يتناسب مع أعمارهن، وتتعامل معهن بطريقة راقية، وتنوع أساليب، وطرائق التدريس التي توظفها في الصف، مما جعل العملية التعليمية مشوقة، وتعمل على جعل الطالبات جزءا من العملية التعليمية، مما زاد من ثقة الطالبات بأنفسهن، وأحسسن بدورهن في عملية التعليم والتعلم، حتى إنه بعد انتقالهن إلى الصف الثاني لم تنقطع علاقتها بهن، بل أكثر الطالبات يقمن بالبحث عنها في كل يوم للسلام عليها، وهذه بادرة طيبة، ونحتاج إلى هذا النوع من المعلمات في تعليم الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية على الأقل لأنها المرحلة المهمة، والتأسيسية الأساسية للتعليم.

أما بعض المعلمات اللاتي يدرسن بعض المقررات الأخرى في هذا المستوى، فمن خلال المحاكاة يتضح كثرة طلبات المعلمات من طالباتها بما يفوق قدراتهن العقلية، ولا يناسب إمكاناتهن التعلمية، وتوقعاتهن العالية من طالبات الصف الأول الابتدائي، وتعاملهن وكأنهن كبار، وهذا أدى إلى ابتعاد الطالبات عن هؤلاء المعلمات، ومقارنتهن دائما بالمعلمة الأساسية التي تختلف معاملتها بشكل كلي عن أساليب معلمات المواد الأخرى، وهنا أرى أن يكون جميع تعامل المعلمات في الصف الواحد قريبا من بعض، كي يتم إيجاد بيئة تعلم مناسبة، وجاذبة. وعدم مراعاة بعض المعلمات لمستويات طالباتهن، وأعمارهن، وقدراتهن قد يؤدي إلى عزوف المتعلمات عن التعلم، ويصبح لديهن ردة فعل سلبية نحو المدرسة، واتجاهات سلبية نحو التعليم.

وفيما يتعلق بمعلمات الصف الثاني الابتدائي فالتفاوت في الأداء يبدو واضحا، فهناك معلمة تتعامل مع الطالبات بنوع من العصبية، وتستخدم رفع الصوت في أثناء التعامل مع الطالبات، وتستعجل عند حديثها معهن، وتتعامل معهن بدرجة التعامل مع الكبار، وهذا أدى إلى تذمر كثير من الطالبات، وعدم ميلهن إلى الذهاب إلى حصة هذه المعلمة تهربا من سلوكها، وتصرفها في الصف، وأصبحت العملية التعليمية في الصف مجرد صراخ، ورفع صوت من دون ضرورة، وهناك معلمة أخرى تراعي أعمار الطالبات، وقدراتهن العقلية، وتدرك الفروق الفردية بين الطالبات مما جعل حصصها محببة للطالبات، ويتعلمن من دروسها الكثير، لأنها تعمل على مشاركتهن، وتجعلهن جزءا رئيسا من العملية التعليمية.

وهنا أرى أن المعلم له دور محوري في العملية التعليمية، ويجب أن يسهم بدرجة كبيرة جدا في جعل المدرسة بيئة تعليمية جاذبة، وهذا يتطلب من إدارات المدارس والمشرفين التربويين أن يقدموا توجيهات ونصائح للمعلمين الذين يتعاملون مع طلابهم بنوع من القسوة والشدة والغلظة، مما ينتج عنه ردة فعل عكسية على المتعلم الذي كل مقومات المدرسة البشرية والمادية مسخرة له ولتعلمه.

وفي الجانب الآخر، لا بد أن يكون هناك حدود بين كل من المعلم والمتعلم من خلال وجود خط غير مرئي يحفظ حقوق كل من المعلم والمتعلم داخل المدرسة، أو خارجها.