كما ترمي الثقافة بثقلها على المرأة وتحشرها في أطر الدونية والانتقاص من إنسانيتها والتبخيس والتحقير، واستلاب ثقتها في نفسها، وحرمانها من حقها في المشاركة، تظلم الثقافة الرجل وتخضعه لخطاب يُنشأ على مقولاته لتتمركز عميقا في لا وعيه، حتى لو كان هذا الخطاب يتعالى على بشريته، ويتجاهل الضعف المجبول عليه الإنسان! فالرجل في مجتمعاتنا محبوس داخل صورة نمطية تحصي عليه أنفاسه وتحبسه داخل إطار القوة وما يلحق بها من صفات، فلا يحق له التصرف خارج قيم الرجولة المفتولة الشوارب التي حددتها له الثقافة. فالرجل في مجتمعنا كائن أسطوري له قدرة خارقة على تحقيق المعجزات ومقارعة المستحيلات! ومن هذا المنطلق يفترض أنه على حل كل إشكالية تعترض الأسرة قدير، فهو المسؤول الأول عن رخاء الأسرة ورغدها، وهو في نظر أسرته يمتلك خاتم سليمان، يستحضر به كافة متطلباتهم واحتياجاتهم حتى لو لكان دخله لا يمكّنه من إرضاء نزعاتهم الاستهلاكية والتي لا تفتأ تطلب المزيد. ولا عذر له في عدم توفير طلباتهم التعجيزية، حتى لو اضطره الأمر للغرق في الديون، أو البحث عن عمل آخر يستنفد فيه ما تبقى من قواه. في ثقافتنا ـ أيضا ـ لا يحق للرجل البكاء، فدموع الرجل غالية، وهي أيضا عار ونقيصة يسّود بها سجله الرجولي المتكنز بقيم القوة الغاشمة، والويل ثم الويل للرجل المسكين لو ضُبط متلبسا بأحد مظاهر الضعف الإنساني، فهنا حتما ولا بد أن تنهار صورته وتقوم قيامته!

وفي المجتمعات الأبوية السلطوية تتشوه العلاقات الاجتماعية وينسحق الإنسان لحساب مؤسسة الأسرة بداية لتتوالى سلسلة الانسحاق والقمع؛ ناهيك عن قتل الفردانية واختفاء العدالة الاجتماعية وهدر الطاقات والإبداع وعدم تكافؤ الفرص، والفساد المالي والإداري والفقر والبطالة إلى آخر ما يعانيه الإنسان العربي. ولأن المرأة الحلقة الأضعف من الإنسان تشكل قضيتها الخطوة الأولى في طريق نيل الإنسان بجنسيه حقوقه، وعندما تتحرر المرأة من الظلم الواقع عليها سيتحرر الرجل أيضا، ليس فقط من القمع الواقع عليه ولكن من عقد اللاوعي التي رسختها الثقافة وكرستها داخله.

الحياة رجل وامرأة يتناغمان ويتكاملان ويتشاركان في تنمية المجتمع ونهضته ورقيه، وليس من مصلحة قضية المرأة تحويلها إلى حرب البسوس بين الذكورية والنسوية ولا فصلها عن قضية الإنسان. وللخروج من القمع والتهميش وهدر الحقوق يتعين على النساء والرجال التعاضد والتكاتف ليحرروا الإنسان داخلهم من أسر الثقافة وأصفاد الموروث وقيود الاستبداد بألوانه المختلفة، والخروج من لجج التخلف الذي نرزح فيه منذ قرون.

في مجتمعات تتمظهر فيها كافة أنواع التمييزات الجنسية والعنصرية والعرقية والمذهبية والطبقية، تهضم حقوق الضعفاء ويقع الرجل نفسه فريسة لهذه التمييزات إذا ما وضعه حظه في سلم الأضعف!

ليتحرر الرجل لا بد أن تتحرر المرأة، وصناعة امرأة جديدة يقتضي لزاما صناعة رجل جديد لنلحق معا رجالا ونساء بركب العصر!.