ببالغ الأسى والحزن نعزي أنفسنا في فقيد الوطن والإنسانية، فقد رحل عبدالله، الملك المحبوب الأكثر شعبية عربيا وإسلاميا، الملك الوالد الذي عزز صورته وتربع على عرش قلوب شعبه فكسب محبتهم وولاءهم، رحل بعهد بذل فيه الكثير من الجهد في سبيل قيادة حذرة لمشروع إصلاحي حاول فيه التوفيق بين أطياف المجتمع على اختلاف اتجاهاتها، فقد اتسم عهده بنمط مرن من التحولات، وملامح متباينة من أشكال التغيير على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم مضى راحلا لنشهد سيلا جارفا من الحزن، وقدرا عظيما من الحب الذي تنهال به تعبيراتنا كشعب مصاب في مليكه وحبيبه، وفي هذا الموقف تمثلت قيمة الوحدة الوطنية رغم الظروف الصعبة والمحزنة على فقده.

كان فقيدنا نصيرا للمرأة التي عاشت عصرا ذهبيا في عهده، عندما اتجهت بفضله إلى مقعد إبداء الرأي والمشاركة السياسية بعد أن تم تمكينها في مجلس الشورى، وهذا التوجه خلق ثقافة مغايرة لقوى التطرف التي كرست ثقافة التهميش والتي عايشت المرأة السعودية في ظلاميتها عقودا طويلة، فقد كان لديه الرؤية الحكيمة التي سعى من خلالها إلى تمكين مساهمة المرأة في مجالات عدة، فضلا عن دعمه لتعليمها وعملها، إضافة إلى إقراره بحقها في المشاركة المجتمعية والتنموية قبل أن يستدرك حديثه عن حقوقها في إشارته إلى مستقبلها وأهمية بنائه، وتعريفه بمكانتها الهامة، حين قال "المرأة هي الأم والأخت والزوجة".

قد أغدق أسماعنا في زمن مضى برسائل أخذت طابعا من العفوية وظهرت منها سعة الإدراك والحكمة، عرف الوزراء في بعضها بمسؤوليتهم الكبيرة ووضعهم أمام محاكاة ذاتية لضمائرهم للوعي بحجم واجبهم تجاه الشعب والوطن في كلمته الشهيرة التي رددها "ربكم ربكم"، وعلى جانب آخر لامسنا حرصه في رسالته للإعلاميين والصحفيين بوصفه لهم "مرآة للشعوب"، مذكرا إياهم بواجب المصداقية والوفاء والأمانة، وهذه من جملة التوجيهات المسؤولة التي بقيت في انتظار تفعيلها بداخل الأطر النظامية والعمل الحقيقي للاستفادة من جدواها.

رحم الله الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز وتجاوز عنه وأسكنه فسيح جناته، وجبر مصابنا في فقده، ورزقنا عهدا جديدا متمما بالخير في ظل "سلمان" ووفقه وأعانه لإتمام مسيرة أخيه وخدمة شعبه.