استفاضت الأحاديث الشريفة في فضل الوالدين ووجوب رعايتهما وطاعتهما وبرهما، ولذلك أخذ ذلك جانبا كبيرا في أحاديث وندوات المربين وأهل الاختصاص، بل تعدى ذلك ليشمل خطب المنابر وكتب المؤلفين، وقبل هذا وذاك القرآن الكريم، حيث قال سبحانه (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).

وعليه نقول إن بر الوالدين من المسلّمات التي أمر بها الدين الحنيف وحث عليها، وبرهما معلوم ومعروف، وهو طاعتهما والإحسان إليهما وعدم عقوقهما،

وهذا واجبنا نحوهما.

ولكن يبقى في العكس وهو واجبهم نحونا، لماذا لم يتكلم عنه المتكلمون ولماذا لم يتطرق إليه من يجب عليه ذلك، ولاسيما الخطباء الذين كثيرا ما يتكلمون عن واجب الأولاد تجاه والديهم، بينما تجد من القليل بمكان من يتحدث عن العكس، فهل هناك واجبات من الوالدين تجاه أولادهم؟

والجواب نعم بالطبع، فكما للوالدين حقوق فكذلك للأولاد حقوق، ومن أهم تلك الحقوق أن تنسبه إليك وأنه جزء منك وأنك مسؤول عن تربيته بحسن الأدب والتربية الصالحة، وهنا "مربط الفرس"، فالوالدان، ولاسيما

الأب، مسؤولان عن تربية أولادهما التربية التي تقودهم إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة، فالأب الذي يريد أن يعمل ذلك فلا بد له من ملاصقة أولاده والقرب منهم وألا يتركهم عبثا، ولاسيما في هذا الزمان الذي أصبحت مغرياته كثيرة، ولربما لا يستطيع الوالدان السيطرة عليها لقربها منهم ولكثرتها كما أسلفنا.

فالأجهزة الإلكترونية مثلا أصبحت تغزو الأفراد والمجتمعات في عقر دارهم وفي أفكارهم وعقلياتهم حتى إنك تراها في أيدي الأطفال في كل وقت وزمان لا تكاد تنفك من أيديهم، والخوف كل الخوف مما يشاهدونه فيها ومنها.

ناهيك عن الأجهزة الإعلامية وغيرها، كل هذه الأجهزة لا تلقى لها صداً منيعا حقيقيا من الوالدين، وليس هذا فحسب، بل إن البعض يشجع الأبناء من حيث

يشعر أو لا يشعر على شراء كل ما يطلب الابن لكي ربما يقتل بها نفسه أو الآخرين أحيانا بطيش منه أو بمبرر يضحك الثكلى، كأن يعطي طفلا أو شابا مراهقا لا

يتجاوز عمره أربعة عشر أو خمسة عشر عاما سيارة فارهة ليمازح بها أقرانه أو يمازحونه، لينتج عن ذلك دهس أو عاهة مستديمة، وكل ذلك باسم المزاح!، وما أكثر ما يقع ذلك!

وقد وقع ذلك بالفعل منذ أيام قليلة بالقرب من إحدى المدارس القريبة من سكناي، فقد تعرض أحد أبنائي وهو ماشٍ على قدميه لحادث كاد يودي بحياته، ولكن الله سلّم وكانت النتيجة رضوضا وتمزقا في الرجلين بسبب قيادة غير مسؤولة من شاب مراهق لم يرعَ والده مسؤوليته تجاهه بأن أعطاه سيارة وهو في مثل هذا السن الحرج المبكر، ولم يسأل عنه ولم يبين له أهمية قيادة السيارة وأرواح البشر، وأن السيارة للحاجة وليست للمرح أو العبث بها.

فيجب في مثل هذه الأمور المهمة ألا يغيب دور الوالدين في النصح والإرشاد، فهما مسؤولان في الدرجة الأولى عن التزام أولادهما بالأدب، وهذا يعكس صورة تربيتهما ورعايتهما لهم، وصدق النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حين قال (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).