قضية الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد قضية طارئة، ولا يكاد أي حديث جاد -اليوم -عن مستقبل العالم أو عن وضعه الراهن يتم دون أن يتضمن محوراً يتعلق بالإسلام أو علاقة المسلمين بالعالم أو الحرب على الإرهاب التي يتم إسقاطها مباشرة على الإسلام كأيدولوجية، إن أحداثاً متعددة مؤخراً مثل تهديدات القس الأمريكي بحرق المصحف الشريف وقضية المركز الإسلامي في نيويورك وما سبق ذلك في أوروبا على سبيل المثال مثل الجدل حول النقاب أو قضية المآذن وغيرها كلها عوارض تدل على وجود ارتفاع في وتيرة الاستقطاب بين المسلمين والغرب يغذيها غياب مرجعية فكرية وقانونية تفصل في هذه المسائل وكذلك يغذيها وجود بيئة إعلامية سلبية، وهو الأمر الذي يستدعي أن تأخذ هذه المسألة حيزاً من المناقشات الجادة حول السياسات العربية والإسلامية التي يمكن تقديمها في هذا الشأن.
إن الخطوات العربية أو العالمية المتعلقة بحوار الحضارات والأديان والثقافات كلها خطوات جيدة على صعيد تفعيل الحوار الفكري والخروج بمنظومات عمل تستهدف هذه القضايا، على أن الحوار كمظلة فكرية يظل عاقراً إن لم تتم ترجمته إلى سياسات على أرض الواقع، إن قضية "المسلمين والغرب" في إطارها العام جداً ليست نتاج مؤامرة تستهدف المسلمين أو ترجمة لوجود صدام حقيقي وجذري "بيننا وبينهم" بقدر ما هي ترجمة لفشل السياسات الفعالة على أرض الواقع فيما يخص التعامل مع هذه المسألة الشائكة.
إن تقريراً جاء مؤخراً لمؤسسة ميديا تينور (Media Tenor) – وهي شركة سويسرية متخصصة في مجال الأبحاث الإعلامية – حول تغطية الإسلام والمسيحية في القنوات الإخبارية العالمية للفترة 2007-2010 أثبت أنه في الواقع انخفضت نسبة التغطية الإعلامية التي تركز على الإسلام في حين ارتفعت التغطية الإعلامية التي تركز على المسيحية، وفي حين لا يزال "الإسلام" يشكل أكثر من 51% من مجمل التغطية الإخبارية العالمية حول الأديان والأيديولوجيات إلا أن هذه التغطية شهدت تحسناً ملحوظاً في مستوى التقييم مع انخفاض الآراء السلبية حول الإسلام في مقابل ارتفاع نسبة التغطية والتقييم السلبي حول المسيحية لنفس الفترة نتيجة الفضائح الجنسية المتعلقة بالكنيسة الكاثوليكية، ما يعني أنه على الصعيد الكمّي (Quantitative) لا يزال الإسلام والمسلمون الأكثر تصدراً لعناوين الأخبار ولكن على الصعيد النوعي (Qualitative) ليسوا بالضرورة أكثر من ينظر لهم بسلبية.
هذا الأمر يفتح باب المناقشة حول ما يمكن للدول العربية والإسلامية (وبالأخص هنا في المملكة) تقديمه في مجال السياسات الإعلامية، هناك حاجة لعملية تقييم للدور الإعلامي العربي والإسلامي عالمياً ومدى مساهمته في التأثير على الرأي العام العالمي، وكذلك دور السياسات الإعلامية للدول العربية في هذا الشأن، وللأسف فإن التذرع بسطوة الإعلام العالمي وتحكم اليهود فيه بات نوعاً من الخنوع الذي يخدر قدرتنا على العمل والإبداع في هذا المجال دون أن يكون لذلك أي ارتباط بالواقع، في عام 2009 في مؤتمر "Agenda Setting" بزيورخ والذي تنظمه أيضاً "Media Tenor" حصلت المملكة على جائزة أفضل دولة متواصلة إعلامياً من دول مجموعة العشرين (G20 Country Communicator)، وذلك من خلال حصولها على أعلى النقاط من ضمن دول مجموعة العشرين في تقديم صورة إيجابية في الأخبار والتغطيات والتقارير الأجنبية، هذه الجائزة رغم ما تحمله من دلالات غاية في الإيجابية لم تجد مندوباً عن المملكة يتسلمها خلال حفل التوزيع، ولعل هذه المفارقة تبرز بشكل واضح الفرق الشاسع بين القدرة الكامنة للمملكة على العمل على الصعيد الإعلامي العالمي وبين غياب الإرادة والفعل الحقيقي على أرض الواقع للتغيير.
هذا الفرق بيرز من جهة أخرى في مجال الدبلوماسية العامة (Public Diplomacy)، وهي العمل السياسي الذي يستهدف التأثير المباشر على السياسات العامة للدول من خلال التواصل والتأثير على المواطنين، ومن خلال القنوات القانونية في كل دولة. ولعل مثال النشاط الأخير لبعض العرب المغتربين في تقديم ملفات للمحاكم الأوروبية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين مثال على أحد المجالات التي يغفل العرب عن دعمها بشكل قوي، فإسرائيل من جهة أخرى ومن خلال اليهود المؤيدين لها في الكثير من الدول تعمل على استصدار قوانين واضحة وصارمة في حق معاداة السامية، ولعل محاكمة الفليسوف الفرنسي روجيه جارودي في فرنسا والمؤرخ البريطاني دافيد ايرفنج بتهمة إنكار المحرقة النازية أمثلة على القاعدة والمرجعية القانونية التي أوجدها اليهود للفصل في هذه المسألة وفي العديد من المسائل التي تخص علاقتهم مع الآخر، في المقابل لم يجد الرئيس أوباما أو السياسيون الأمريكيون حجة لمحاولة إيقاف القس الأمريكي عن حرق القرآن الكريم أفضل من حجة أنها سوف تعرّض الجنود الأمريكيين للخطر، ولعله إذا كانت هناك قوانين واضحة تجاه الإسلاموفوبيا عالمياً أو حتى على المستويات الوطنية لكانت هناك مرجعية فكرية وقانونية تحمينا من هذه الأعمال وتفصل بوضوح بين المصيب والمخطئ، وهو ما يطرح التساؤل عما إذا كنا بحاجة إلى هولوكوست إسلامي لنعي طرق العمل السليمة والفعالة على الساحة العالمية.