البقايا اللينة تربي الوهن والأوهام والحزن السمج. الاحتفاظ بالبقايا الوحشية والغريبة يقوي القلب، يمد العمر، ويطيل الضحك. صدقوني! إنني أحتفظ بحفنة من تراب قبر، ريشة غراب مكسورة، خمسة عشر فصا على هيئة عيون سباع، أقلام أغطيتها مفقودة، قلادة ابتعتها من بساط امرأة غجرية في الشارع، لها أظافر طويلة، والله - ولا أحد سواه - يعرف كم رجلا قد قتلته.

أحتفظ بمفتاح شقة في بناية هُدمت منذ سنين، وأقيم مكانها أخرى، رسائل مقذعة وصفحات من السباب مضى عليها دهر، حتى إني لم أعد أمسح من قائمة الأسماء أرقام المتوفين الطيبين ولا الأنذال أيضا. كدت أنسى، إنني أحتفظ بمسمار كنت قد دهسته قبل ثلاثين سنة، أخرجته من قدمي، وعزّ عليّ أن أرميه.

البقايا التي تزيد الظمأ وتحث على الهرولة، البقايا الغريبة!

وكي تحتفظ بمعنى أفضل على الدوام لا بدّ أن يكون هناك ما يهدد جدواك، أن تكون مطمئنا يعني أن تستحيل شيئا فشيئا إلى بغلٍ في معصرة، تصلح فقط للدوران كالمخبول في الأشياء المعتادة.

تعيش في المكرر! هيّا اطعن بلادَتَك في خاصرتها، وافعل شيئا لم تفعله من قبل، لم تألفه من قبل، ولم تعرفه من قبل. اخزق رتابتك في عينها وطِرْ مثل عِقاب. تورط في الشيطنات وانج منها، باعد بينك وبين المقبرة، فاللّعانات تَعْدِل الظَّهر وتشدّ العصب، وتقبّل تَلَفك بصدرٍ رحب، وامض بتصميمٍ ودهشة. عش بعيدا عن معصرتك. لا تبق بغلا!

كتب تشارلز بوكفسكي: "ثمة من الخيانة، العنف، الكره، السخف في الإنسان العادي ما يكفي لتجهيز أي جيش مفترض، في أي يوم مفترض".

بالضبط، وكتب أيضا: "احذروا الوعاظ، احذروا العارفين، احذروا الذين يقرأون الكتب دائما، احذروا الذين إما أنهم يبغضون الفقر أو أنهم يتباهون به. احذروا أولئك الذين يسعون إلى المديح لأنهم بحاجة إلى مديحٍ بمقابله. احذروا أولئك الذين يسعون إلى أن يكونوا رقباء لأنهم يخافون ما لا يعرفون. احذروا أولئك الذين يبحثون عن الحشود المنظمة، لأنهم لا شيء وحدهم، احذروا الرجل العادي، المرأة العادية، احذروا حبهما. حبهما عادي يبحث عن عادي".

إن ما هو أكثر خطرا على الروح المتطلعة من خيبات الأمل وانكسار الحلم، هو الانسجام مع السعيدين بالخواء، الراضين بالظل والذل والعاديّة.