إلى المنجمين والعرافين الذين يستقون ثقافتهم من "تويتر" و"الفيسبوك" وغيرهما من مغيبات الفكر والعقل! نتوجه لكم بعظيم الامتنان، لأنكم أسلمتم رؤوسكم لصفحات يكتب فيها من يكتب ويطرح فيها من يطرح، حسب توجهاته وأفكاره - ولا نقول حسب نيته فلا يعلم بالنوايا إلا الله - سبحانه وتعالى - ونحن دائما نفترض حسن النوايا - فانكشف جهلكم!

فلم تمض على وفاة المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالله - طيب الله ثراه - سوى أيام معدودة حتى التهبت حناجر البلابل إن صح التعبير، وكتبت المقالات، وسالت الأقلام حتى جفت المحابر من عرب ومن عجم عن علاقة مصر بالسعودية - تلكما الدعامتان الراسختان للأمة العربية - وعن قائدنا الملك سلمان - حفظه الله - وتوجهاته بشكل تجانبه المعرفة الحقة! يقلبون فناجيلهم ويمدون أكفهم لكل عراف عبر! يتساءلون ويجيبون في الوقت ذاته! فلم نعهد أن يكون السائل هو المجيب إلا في زماننا هذا!

من يشكك في العلاقة المصرية - السعودية ما هو إلا سفيه لم يقرأ التاريخ، فمن يقرأ التاريخ لا يهرتل بمثل تلك المهاترات من عرب ومن عجم. وسابقة قلتها فصارت مانشيت في كبريات الجرائد: (لو قرأنا تاريخنا جيدا فلن يصيبنا عطب)، فالتاريخ اشتكت منه أرفف المكتبات ودب الوهن بين أوراقه، لأننا لا نفتح له نوافذ العقول - الأكسجين - يستمد منه الحياة!

فإذا ما نظرنا نظرة طفيفة في طبيعة العلاقة المجتمعية فسنجد أن معظم البيوت المصرية والسعودية تربطها علاقات دم أو مصاهرة ونسب وأبناء وأحفاد! أما إذا ما امتد بصرنا قليلا نحو البنية الاقتصادية فلا يخفى على أحد حجم الاستثمارات والعمالة وغير ذلك من كتلة الصوف تلك التي يصعب تخليصها من فوق أشواك التوت. أما إذا ما قرأنا تاريخ البلدين وتلك التوأمة الكبيرة بينهما كوحدة واحدة على مدار التاريخ فسنجد ذلك الحبل المتين عبر التاريخ!

وخادم الحرمين الملك سلمان - حفظه الله - ليس بخفي على أحد من قارئي الفنجان وعرافين الكفوف هؤلاء لكي يفرغوا محابرهم لقراءة فكره! فهو رجل تاريخ، وخبرة، وعروبة، وحنكة، وصناعة قرار، وهو ابن عبدالعزيز البار الذي يستنير العالم حتى وقتنا هذا بفكره وسياسته ودهائه، وهو ليس ببعيد عن صناعة القرار في المملكة وعن إخوته، فهم إخوة متحابون أحبوا الله فأحبوا الوطن. فكانت علاقتهم بينهم مثالا يحتذي به عبر التاريخ العالمي، بالرغم مما يكتبه العرافون والمتنبئون من (فتاح المندل)!

ونسوا أو تناسوا هؤلاء أو قل (غشي على أبصارهم فهم لا يبصرون) زيارة الملك عبدالعزيز وكلماته عن مصر ولمصر، وهذه كلمات من تاريخ تلك الزيارة التاريخية لمصر عام 1946 في كتب التاريخ. وكيف خرج الشعب المصري عن بكرة أبيه لاستقباله! فيقول التاريخ في رسالة من جلالته - غفر الله له -: (وقد وجه الملك عبدالعزيز شكره لمصر في الرسالة التي وجهها للشعب السعودي لما لقيه من حفاوة وتكريم على أرض الكنانة من الملك فاروق والحكومة المصرية والشعب المصري قاطبة، إذ قال جلالته:

"إن في كل شبر مشيت فيه من أرض الكنانة من الحفاوة والإكرام، ما لا يحيط به الوصف، ولا يفي بحقه وافر الشكر، فقد كانت قلوبهم تتكلم قبل ألسنتهم بما تكنه لي ولبلادكم من حب"). ويقول المؤرخون: "بل وفي كل مناسبة كان الملك عبدالعزيز يشيد بما لقيه في مصر من حفاوة وتكريم، كذلك أشار الملك عبدالعزيز - عقب مقابلته لوفد رابطة الحجاج الجامعيين - إلى أن ما قابله في مصر أمر فوق الطاقة، وأنه "لا يستطيع أحد أن يصل إلى ما في السماء، غير أن إخواننا المصريين الأعزاء عملوا لإكرامي كل شيء ممكن فوق الأرض".

لقد أبدى الملك عبدالعزيز تقديره للحفاوة الشعبية العظيمة التي لقيها من قبل الشعب المصري كله بأنه يخيل إليه كما يقول: "أن سبعة عشر مليونا خرجوا لتحيتي"، وهو تعداد الشعب المصري آنذاك. ثم يكتب الإعلام بكل ود وإخلاص، فمانشيت للأهرام كان تحت عنوان: "على الطائر الميمون يا خير قادم" تتحدث عن لقاء الملك عبدالعزيز بالملك فاروق فتقول: "شيخ الملوك الحكم المجرب المحتفظ بهمة الفتيان، يلتقي اليوم بفتى الملوك الهمام، المزدان بحكمة الشيوخ".

وعن الزيارة يقول المؤسس - رحمه الله -: "ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيته، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب".

ثم يقول نبراسه المحتذى: "كلانا - والحمد لله - موقن أن القوة في وحدة الكلمة، وأن الأخ درع لأخيه، فإن تآخينا من شأنه أن يوثق عرى التآخي بين شعبينا، وما شك أحدنا في أن مصلحة البلدين تقضي وحدة اتجاههما السياسي ووحدة السبيل الذي يسلكانه في منهاجهما الدولي، ذلك مبدؤنا ومبدأ شعبنا يتوارثه الأبناء، ويبقى - إن شاء الله - على وجه الدهر بهذه الروح". وتناسى هؤلاء أن حكام المملكة عبر الأجيال حتى هذه اللحظة هم أبناء عبدالعزيز البررة الكرام الأجاويد.

فها هم أبناء عبدالعزيز يولون وصية والدهم كل الاهتمام والوفاء، فكلنا نعلم موقف الملك فيصل - طيب الله ثراه -، والملك فهد - رحمة الله عليه -، وأيضا مواقف الملك عبدالله - رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته - في أزمة مصر الأخيرة.

فكيف يتجرأ العرافون وقارئو الكف والفنجان على الصياح في كل وسائل الإعلام بالتنجيم والرجم بالغيب؟ ليس ذلك بغريب لأنهم لم يقرأوا التاريخ! فهلا اختشى العرافون والمنجمون عن تكهناتهم البلهاء التي لا تلقى صدى سوى في نفوسهم المريضة؟

ويكفينا تصريح خادم الحرمين سلمان بن عبدالعزيز الأخير لتخرس تلك الأفواه وتشل تلك الحناجر!