"ربما يغلب على أذهان كثير من الناس أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، هو ذلك القائد الفذ والحاكم الإداري، صاحب المدرسة الفريدة في الإدارة والحنكة في الشأن العام، لكن ذلك لا يعكس كل جوانب شخصيته، فالملك سلمان تربوي من الطراز الأول، وهذا مما لم يجد حظا من التشخيص والتنقيب في شخصيته". بهذه العبارة قال بندر عثمان الصالح، نجل الشيخ المربي عثمان الصالح يرحمه الله، الذي ربطته علاقة قوية بالملك سلمان منذ نشأته: قرأنا كثيرا من المقالات والمعالجات التي أسهبت في شخصية سلمان الحاكم وسلمان الإداري المحنك وسلمان المسؤول، ولكن شخصية الملك سلمان التربوية في بيته، تعكس منهجه التربوي الفريد، فهو في البيت مرب ناجح، وفي الإمارة إداري يتميز بالخبرة والحنكة، وفي السياسة رجل دولة من الطراز الأول.

وأضاف أنه كان ملازما لوالده الشيخ عثمان الصالح ـ رحمه الله ـ خلال لقاءاته مع الملك سلمان في مختلف حقول ومواقف التربية والعلم والمعرفة، بحكم مرافقته الدائمة لوالده وعلاقاته الواسعة والحميمة بالأسر والشخصيات المؤثرة في مجتمعنا.

وقد سألناه: كيف كانت لقاءاتهما في الميدان التربوي، وهل كان الوالد يزوره في الإمارة لتبادل الحديث في شؤون التربية وتعليم الأبناء، فقال:

لم يكن الوالد ليذهب إلى الملك سلمان في مكتبه بإمارة الرياض حينما كان أميرا لها، لاستجلاء أمر تربوي يتعلق بالأبناء، وإنما كان يذهب للإمارة للسلام وتأدية الواجب تجاه الحاكم المسؤول، بينما كان الملك سلمان هو من يأتي إلى مدرسة أبنائه، ليتفقد مسار تعليمهم وتربيتهم.

وأكد الوالد ذلك عدة مرات بكثير من الإعجاب لسلوك الملك سلمان التربوي مع أبنائه، فقد كان يأتيه منفردا كأب عادي بدون مواكب أو مرافقين رسميين إلى معهد العاصمة أو معهد الأنجال، فيدخل بنفسه على مدير المعهد عثمان الصالح ليتفقد ويستفسر عن مسار الأبناء، ويستقبله المعلم عثمان الصالح مثلما يستقبل أي أب يأتي متفقدا أحوال أبنائه، وعندما يأتي إلى المدرسة كان يجلس مع المعلمين ويطلب الاطلاع على درجات أبنائه العلمية في العلوم التي يتلقونها، وعندما يجد بعض الملاحظات على درجات مادة معينة يطلب مقابلة معلم تلك المادة، ويتناقش معه في الأمر تفصيلا، ليعرف أسباب القصور أو أي ملاحظة أخرى يبديها المعلمون، ثم يستكمل الأمر بعد ذلك عند عودته إلى البيت بتوجيه الابن إلى أوجه القصور كما يراها من جانبه، فبيت سلمان كان مدرسة في حد ذاته.

من هم أبناء سلمان الذين درسوا على يد المغفور له ـ بإذن الله ـ الشيخ عثمان الصالح؟

الذين درسوا على يديه هم فهد وأحمد يرحمهما الله، وسلطان وعبدالعزيز يحفظهما الله، وكانوا يقبلون رأس معلمهم تقديرا وإجلالا، وهم يعبرون بذلك عن بيئة الصدق والاحترام التي نشأوا فيها.

أما عندما يأتي الملك سلمان لزيارة المدرسة بصفته حاكما إداريا، فكان ذلك يتخذ طابعا آخر يعكس أيضا رؤيته التربوية، فهو لا يفرق بين تلميذ وآخر، ولم يكن يطلب مقابلة أحد أبنائه بصورة مستقلة في هذا النوع من الزيارة التفقدية للمدرسة، وإنما يسأل عن جوانب النقص أو الحاجات التعليمية والتربوية التي قد تحتاجها المدرسة. وذكر ذلك الوالد يرحمه الله في عدة مناسبات بالقول: إن سلمان بن عبدالعزيز عندما يأتي كأب غير سلمان عندما يأتي كحاكم إداري ومسؤول كبير، فكان يطوف على فصول المعهد ويتفقد المباني والخدمات ويغادر بعد أن يطمئن على سير الدراسة.

أما بيت الأمير سلمان كما عرفته وكما كنت أسمعه من الوالد، فهو بيت تربوي من الطراز الفريد، وأنقل شهادة من أحد أبناء سلمان الذي قال: نحن في بيت الوالد نتربى ونتعلم كأننا في جامعة بكل ما تعني الكلمة.. يديرها الملك سلمان بذات الحنكة والفطنة التي يدير بها الشأن العام. ونشأ جميع أعضاء أسرة سلمان من الأبناء والأحفاد على الحب والتقدير والصراحة واحترام الوقت.

واستمعت كثيرا إلى شهادة الوالد عثمان الصالح في هذه المؤسسة المرموقة وفي شخص الملك سلمان، حيث كان يقول: إن سلمان بن عبدالعزيز أب ومرب ومعلم وصاحب مدرسة فريدة في التربية، ومن التقاليد التربوية والمعرفية التي اعتاد عليها سلمان مع أبنائه وأحفاده أنه إذا اطلع على كتاب أعجبه من الإهداءات أو الإصدارات التي تصله يعيد إهداءها إلى أبنائه مع كتابة عبارات محفزة على القراءة، وتوجيههم بأهمية الاطلاع عليها بعناية، وذلك حسب اهتمامات ورغبات كل ابن من أبنائه، ولذلك نجدهم شغوفين بالاطلاع والمعرفة العامة والمتخصصة كل حسب ميوله.

من خلال ما نعرفه عن الملك سلمان عبر أحاديثه العامة أو كلماته ومشاركاته الكثيرة في المحافل الاجتماعية والثقافية نلمس بوضوح عمقه واطلاعه الواسع على التاريخ والأنساب، كيف كان يجد الشيخ عثمان الصالح منشأ هذا النوع من المعرفة. هل هو من الاطلاع في الكتب أم من خلال علاقاته الواسعة بجميع شرائح المجتمع؟

أزيدك بأن الملك سلمان زرع في أبنائه ذات الميزات أيضا، فلديهم مقدرة في هذا النوع من المعرفة والفراسة وفي التمييز بين الشخوص والمعالم الاجتماعية، ولهم قدرات مميزة في التعرف على الناس بصورة حميمة، فالعلاقات بين الناس تتعمق وتتجذر إذا أوحى لك الشخص بأنه يعرفك أو يعرف والدك أو منطقتك، ومثل هذا النوع من المعرفة تقرب بين الناس وتزيل الفوارق، وهذا ما ظل يهدف إليه الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وأعلم أيضا أن مكتبة الملك سلمان تضم نوادر الكتب في التاريخ والأنساب والقبائل والعلوم المختلفة، وهي مكتبة مفتوحة لجميع من في البيت، سواء في وجود الملك سلمان أو في غيابه، وهي واحدة من أهم مصادر هذه المعرفة التي أشرت إليها. وعلمت من أحد الأبناء أن الملك سلمان يؤكد على أبنائه وأحفاده ضرورة الاعتناء والحرص على تعلم التقنية والتعامل معها في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم لأنها لغة العصر ومفتاح المعرفة المستقبلية.

كما زرع فيهم حب الخير، فسلمان يعدّ (قاطرة خيرية) تسير بين الناس، فهو مع كل عمل خيري مهما تنوع مجاله طالما كان في خير الناس وفائدتهم. وزرع ذلك في أولاده وأحفاده. وأشار عليهم بأن يتولى كل واحد منهم مجالا من مجالات الخدمة الإنسانية والخيرية، فالأمير سلطان لجمعية الأطفال المعوقين وحامل قضية الإعاقة في المملكة، وهو مجند لها في أي وقت ومكان، وعبدالعزيز يتولى جمعية مرضى الكلى (كلانا)، ويجلب لها التمويل من كل القادرين، وفيصل لجمعية الأيتام "إنسان"، ومحمد مسؤول عن جمعيات البر في منطقة الرياض، وهو كإخوانه يجتهد في البحث عن مصادر التمويل من القادرين وبناء الأوقاف وغيرها من جهود عمل الخير.

هل ذكر لكم الوالد ـ يرحمه الله ـ مثلا ما دار في لقاء جمعه بالملك سلمان وكان موضوعه أحد أبنائه؟.

في إحدى المرات أرسل الملك سلمان خطابا إلى الوالد - أحتفظ بصورة له- قبل نحو خمسين عاما، وفيه يتقدم بالاستفسار عن مسار ابنه فهد ـ يرحمه الله ـ ومستواه وعلاقته بزملائه الطلاب ونحو ذلك. ورد الوالد على مضمون الخطاب بالقول: لا داعي للسؤال عن فهد، فإنه من الطلاب المميزين، ولو لاحظنا أي تراجع في مستواه لبادرنا نحن بالكتابة إليكم.

وفي نهاية أحد الأعوام الدراسية وبعد تسلم ابنيه فهد ـ يرحمه الله ـ وسلطان ـ يحفظه الله ـ شهادتيهما الدراسيتين، كتب الملك سلمان للوالد يسأل: لقد اطلعت على شهادتيهما ولاحظت أن واحدة فيها انخفاض بعلامتين عن الدرجة العالية في إحدى المواد، ويهم أن أعرف لماذا؟.

ورد عليه المدير عثمان الصالح يرحمه الله: نعم، لكن ذلك لا يؤشر إلى تراجع يذكر في المستوى العام، وبأنه على الرغم من انخفاض العلامتين فهو طالب متفوق قياسا على المستوى العام للطلاب بالمعهد، وهذا يشير بوضوح إلى أن الملك سلمان على الرغم من مسؤولياته وانشغالاته الجسيمة يخصص وقتا لمراجعة العلامات الدراسية لأبنائه، وإذا قارنا ذلك بسلوك كثير من آباء اليوم، نجد أنه يقدم المثال والنموذج لكل الآباء في الطريقة التي ينبغي أن يتبعها الجميع في متابعة المسار الدراسي لأبنائهم بدلا من ترك المهمة كاملة للأمهات وحدهن أو تركها للغير.

هل كان مما علمت من والدكم المغفور له ـ بإذن الله ـ مثلا أن الملك سلمان كان يحث الآخرين على الاعتناء بمستوى أبنائهم الدراسي، وأن يفعلوا كما يفعل هو في المتابعة والمراجعة معهم؟.

وهل علمتم أن الملك سلمان أبدى لوالدكم بعض الملاحظات أو نقدا من أي نوع للمحتوى المنهجي لما يقدم من مواد في المعهد؟.

- هناك قصة رواها الوالد يرحمه الله لعلها تحتوي على المعاني التي تشير إليها، وهي أن الوالد كتب مخاطبا الملك فهد يرحمه الله، الذي كان وقتها وزيرا للمعارف يدعوه فيه إلى رعاية حفل يقيمه المعهد تكريما للطلاب المميزين كأول بادرة على مستوى المملكة، وعلق الملك فهد على الخطاب يقول: سعادة عثمان الصالح: أرى أن من يرعى هذا الحفل هو الأمير سلمان، فهو حاكم الرياض، واتجه الخطاب بما يحويه من تعليق وزير المعارف إلى الأمير سلمان.

وفي يوم الحفل حضر الأمير سلمان راعيا للمناسبة، وإذا بالملك فهد ومعه الأمير سلطان بن عبدالعزيز ـ يرحمهما الله ـ يدخلان فجأة إلى مكان الحفل، وعندما أراد الأمير سلمان أن يقدم الملك فهد لرعاية المناسبة، قال الملك فهد: لا، فأنا حاضر فقط كأب وليس بصفة رسمية، وكذلك الأمير سلطان حاضر كأب، بينما سلمان حاضر كراع للمناسبة.

وعندما طلب الوالد - رحمه الله- كلمة للملك فهد رد بقوله: سوف أتحدث فقط نيابة عن أولياء أمور الطلاب، وليس كوزير للمعارف أو مسؤول، وهو أكبر تجسيد لأصول التربية. وقد تعلم الآباء والطلاب كثيرا من مثل هذه المواقف العظيمة، وما زلنا نتعلم منها أصول الاحترام والتقدير للمسؤوليات الشخصية والرسمية والواجبات التربوية ومواقفها ومواضعها الصحيحة والصحية. ونشرت الصحف تلك الواقعة في حينها.


.. ومحفز دائم لشباب الأعمال

أولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ فئة الشباب اهتماما كبيراً ودعماً لامحدودا، إيماناً منه بأنهم الأمل الباسم والغد المشرق، الذي تبني عليه الأمة مستقبلها، إذ خصص لهم جائزة لتقويم إبداعاتهم في المجال الصناعي والخدمي والتجاري والتقني والزراعي والقيادي، بل خصص جائزة للجهات الحكومية والأهلية التي تدعمهم.

وأكد خادم الحرمين الشريفين في كثير من المناسبات أنه يجب على شباب الأعمال أن يجددوا روح الأعمال وألا يستعجلوا النجاح وأن يسعوا إلى بنائه خطوة خطوة، وأن يتجهوا إلى نجاح ثابت، وأن يعتمدوا على الله عز وجل فهو من يهب النجاح، مؤكداً أنهم لبنة قوية لبناء هذا الوطن.

وكانت جائزته لشباب الأعمال ترجمة واضحة لاهتمامه بهذه الفئة، كما أنشأ الملك سلمان بن عبدالعزيز مركزاً خاصاً للشباب، معلناً مساعيه الحثيثة إلى إيصال رسالة تأسيس روح المبادرة وترسيخها لدى شباب الأعمال.

ورأى الدكتور ناصر الزهراني أن تبني خادم الحرمين الشريفين لفكرة دعم الشباب كانت منذ زمن، لإيمانه بأن هذا الدعم سيسهم في دفع عجلة التنمية في الوطن إلى الأمام، وقال: "إن دعم خادم الحرمين الشريفين هو امتداد لدعم الحكومة ككل، والذي كان واضحاً وجلياً ومسهماً في فكرة سلمان بن عبدالعزيز بتبني دعم شباب الأعمال بتخصيص جائزة لهم ولمن يدعمهم من القطاعات الحكومية والخاصة".

من جهته، أوضح الكاتب الدكتور صالح سبعان أن ما يميز الوطن أن لديه فرساناً، "فينزل فارس ويمتطي صهوة الوطن فارس آخر، لأنه مبني على أسس وقواعد واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار رسخها الملك عبدالعزيز".

وأضاف الدكتور ابن سبعان: "الملك سلمان من الرجال المعايشين للوطن وهمومه، ويعرف كل تفاصيل هذا الوطن لأنه جزء منه، ولم أصل يوماً من الأيام إليه في نقل معاناة أي مواطن إلا نالت اهتمامه وسعى إلى زوال معاناته، وأن الشعب السعودي محسود على قادته لأن أبوابهم مفتوحة لجميع المواطنين".