سألني الموظف بقلق أريد رأيك في والدي؟ خيرا إن شاء الله أجبت باهتمام؟ قال لقد أصيب بالشلل؟ سألت فورا؟ وكيف نطقه؟ قال لا ينطق! قلت هي إصابة الشريان السباتي الأيسر! قال لم أفهم؟ قلت أخي الفاضل ربي خلقنا على شكل متصالب فإصابة شريان العنق الأيسر يشل نصف الجسم الأيمن والعكس بالعكس بفارق أن الأيسر يضاف له شلل مراكز الكلام فيصاب بالحبسة (Aphsia)؟ قال كيف؟ قلت الدماغ يغذي من كل طرف باثنين من الشرايين من كل جانب فيرتفعان للرأس ويتفرعان ويكونان ساحة رقص يدا بيد اسمها مسبع ويليس؟... هل عندك ورقة للشرح؟ ركض وأحضر ورقة بيضاء حجم A4 قلت له شكرا ثم بدأت برسم الشرايين التي تخرج من القلب وتتوزع في شجرة باسقة طلعها هضيم. تابعت هل والدك يعاني من ضغط أو سكر؟ قال كلاهما قلت الناس لا يقدرون خطورة الضغط وارتفاعه إنه أمر جلل بنتائج مفزعة على الناس الانتباه له ومعالجته؟ قال كم يجب أن يكون الضغط؟ قلت له الضغط ضغطان! قال لم أفهم؟ قلت له حين نقيس الضغط بجهاز قياس الضغط نلاحظ أو بكلمة أدق نسمع حين ننفخ البالونة أن ضربات القلب والشرايين تختفي، هنا يجب تركيز الانتباه وإصاخة السمع حتى يبدأ الصوت بتقليد بندول الساعة تك تك تك.. هنا نسجل الرقم الأول وهو ضغط القلب يسمونه (الضغط الانقباضي Systolic) بعدها يستمر القرع في الضرب مثل طبل منعش تيك تاك تيك تاك.. حتى إذا بدا بالاختفاء علينا أن نسجل الرقم الثاني وهو يعطينا فكرة عن ضغط الأوعية هذه المرة، وهكذا فالضغط ضغطان بين القلب والأوعية (يسمون الثاني الانبساطي Diastolic)؟

سألني الموظف الذي بدأنا بقصة والده وتحول المجلس إلى درس علم طبي! وكم يجب أن يكون الضغط بين القلب والأوعية؟ قلت لقد اتفق الأطباء أن يكون الانبساطي نصف مقدار الانقباضي زائد واحد، بمعنى أن من يكون ضغطه الانقباضي مثلا 14 وجب أن يكون الانبساطي 7+1= 8 وأحيانا يعملون الرقم بالمئة فيقولون 140 وثمانين وهكذا وللتبسيط يمكن ان يقال 14 وسبعة و8!

قال وما هو الرقم الجيد الصحي؟ قلت يقولون الأفضل ألا يزيد عن 120 ولو كان عمر المريض 120 سنة؟ وبالطبع فهذا قريب من المستحيل؟ فمن عمَّر وأنسئ في أجله تصلبت عروقه وليس من فرار وقرار؟ والمهم والأخطر هو الانبساطي فوجب ألا يرتفع فوق عشرة و11 عندها يجب أن يعالج وبصرامة لأنه مثل ضغط الكفرات، انفجرت بالدم فخربت الدماغ، وشققت أبهر البطن، وآذت الكلية فأدخلتها حالة الفشل، وقادت القلب إلى الارتخاء بضخه دما في وجه مقاومة مستمرة؟ لقد رأينا العديد من انفجار عروق الدماغ والشلل والخرس إذا خبطت الدماغ الأيسر حيث مركز النطق والفهم في الدماغ!

هز الموظف رأسه وقال تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.

لقد رأيت من جاءنا وقد تشقق أنبوب الأبهر البطني والصدري عنده فوجب تخفيض الضغط بسرعة ومعالجة هذا الأنبوب الحيوي وهي من أخطر عمليات القلب. عرفت المشكلة عند والد الموظف فقد تكاثر عليه السكر والضغط وانفجرت عروق الدماغ وكان حظه السباتي اليسر الذي يغذي الدماغ الأيسر، المسؤول عن النطق والفهم، فقد كشف عن ثلاث مناطق في الدماغ الأيسر حذاء الفص الصدغي أن هناك منطقة بروكا وفيرنيكيه وما بينهما من جسر يربط، واحد يغذي المفردات، والثاني يركب الجمل والقواعد الصحيحة، ثم تذهب الأوامر إلى الأعصاب النشطة فتحرك اللسان والغضاريف فتطقطق الأسنان ويلعب اللسان فتخرج الكلمات مرتبة والجمل مترابطة خلف بعضه البعض وسبحان من علم الإنسان البيان. كانت الكارثة في العروق التي في رؤوسنا مثل إطارات السيارات ففرقعت ومات قسم من الدماغ ومعه احترق كمبيوتر النطق وهلكت المساحات المسؤولة عن الحركة فضرب الرجل باثنين من الشلل والخرس. والمؤشرات في الغالب والنتائج تظهر في مدى شهر فإما تحسن أو ركبته العلة التي ستبقى معه في صراع مع التمرينات الفيزيائية للنطق والمشي، ولقد أحسن فيلم بالنسبة لهنري (Regarding Henrry) الذي أظهر قصة محام ضرب برصاصة في رأسه يوم عيد الميلاد، من شقي بغدارة من أجل عشرة دولارات وسرقة تنباك من محل، وكانت الحادثة بالصدفة، واستمر تحت العلاج حتى تحسن ورجع إلى الحياة الطبيعية، ولكن بروح جديدة نظيفة خالية من غش المحامين وتلاعباتهم بالقوانين والعمل بإنصاف لعباد الله أجمعين.. قلت للسائل الآن بدأ كفاحكم لإعادته إلى الحياة الطبيعية..

وأما كلمتي للأصحاء فأقول: درهم وقاية خير من قنطار علاج.. راقبوا السكر عندكم.. كرروا فحص الضغط في عروقكم.. راقبوا الكولسترول "الواطي" الخطير في دمائكم.. وخذوا الأدوية الحاصرة؛ فتبقى النتيجة أفضل من خرس وطرش وعمى وشلل؟