"أهل مكة المكرمة كرام.. فشاورهم واحتضنهم، إنها مكة وردة تتفتق أكمامها اليوم على راحتيك، فاسقها بحبك، وراعها بعينك، واخدمها بفكرك، وفقكم الله لما يحب ويرضى"، عبارة رددها وتناقلها مساء أمس أهالي وشباب منطقة مكة المكرمة فور صدور الأمر الملكي القاضي بتعيين الأمير خالد الفيصل مستشارا لخادم الحرمين الشريفين وأميرا لمنطقة مكة المكرمة، وهي ذات العبارة التي ودعهم بها قبل عام تقريبا.

هذه العبارة، كانت وصية المحب التي همس بها الأمير خالد الفيصل لأمير منطقة مكة السابق الأمير مشعل بن عبدالله في حفل وداع المنطقة، وهو يتجه نحو وزارة التربية والتعليم.

وقال الفيصل مخاطبا الأمير مشعل: إن مواطني أطهر بقعة في العالم لن يبخلوا عليك بآرائهم فشاورهم، ولن يتأخروا عنك فاحتضنهم، إنها مكة وردة تتفتق أكمامها اليوم على راحتيك، فاسقها بحبك، وراعها بعينك، واخدمها بفكرك".

قالها الفيصل وهو لا يعلم أنه سيعود إليهم ويصافحهم ويحتضنهم من جدة، ولم يكن يعلم أن المشاريع العملاقة التي أشرف على هندستها وتخطيطها والوقوف على أساساتها هي ورود لن تتفق أكمامها إلا على راحتيه، فهو من سقاها حبه ورعاها بعينه، وخدمها بفكره.

الفيصل سبق أن قال لأهالي مكة المكرمة: أعدكم بتحقيق آمال خادم الحرمين في مكة المكرمة التي قال عنها "لا شيء يغلى على مكة"، ورغم أنه فعلا حقق لهم ما وعدهم به من تنمية شاملة طالت الإنسان والمكان وما فيه من شجر وحجر، وصولا إلى كل المحافظات.

أهالي مكة استحضروا مساء أمس كلمات الأمير خالد الفيصل التي قال فيها "إننا نستمد الروح الوثابة من القائد العظيم للأراضي المقدسة، وأعدكم إن شاء الله أن نحقق آماله في هذه المدينة، وهو الذي ما بخل أبدا عليها".

مساء أمس كان مختلفا في كل مجالس ومجاميع أهالي منطقة مكة المكرمة، كان مختلفا لكل من راقب مشاريع التطوير العملاقة في جدة، من المطار الجديد إلى قطار الحرمين ومشاريع درء أخطار السيول وتطوير العشوائيات والكورنيش، ومشروع إعمار مكة المكرمة الشامل وتوسعة المسجد الحرام، ومشاريع تطوير المشاعر المقدسة، والتنمية الشاملة في كل محافظات المنطقة.

ليلة أمس نطقت مكة كلها عبارات: من الكعبة وإليها.. هنا بناء الإنسان وتنمية المكان، هذه الكلمات التي حملت عنوان كتاب الأمير خالد الفيصل، الذي يقول عنه إنه ليس سيرة ذاتية، وإنما هو "تجربة إنسانية.. إدارية تنموية" عاشها سبع سنوات أميراً لمنطقة مكة المكرمة، وعنوان الكتاب شديد الدقة فلم يتم انتقاؤه عشوائياً، فهو يمثل عمق استراتيجية التنمية التي رسمها خالد الفيصل لمنطقة مكة المكرمة، وهو اختير بعناية فائقة، حيث يختصر كل المحتوى الذي بلغ 312 صفحة.. فالجزء الأول من العنوان يمثل السياسة التي تقوم عليها جميع مشاريع مكة المكرمة، والجزء الثاني يمثل المرتكز الأساس الذي تتكئ عليها التنمية بعد الله، والهدف الذي تريد الوصول إليه، حيث تتمثل تلك السياسة في "ضرورة" أن يكون أي مشروع في مكة المكرمة منطلقاً من الكعبة ويهدف إلى خدمتها، بمعنى أن المشاريع لا بد أن تكون الكعبة المشرفة محوراً أساسياً فيها، تخدم وتسهل كل أعمال الحج والعمرة للحاجين والمعتمرين، لأن الأمير خالد كما هو واضح في تجربته التنموية يرى أن كل منطقة مكة المكرمة قامت ونشأت حول الكعبة.

ولهذا لا بد أن تكون المحور الأساس الذي تنطلق منه كل مناحي التنمية، ونستطيع أن نقرأ من الجزء الأول من العنوان أنه عندما تكون الكعبة هي المحور للمشاريع فإن ذلك يكشف الاهتمام البالغ بالبيت العتيق، الذي تتشرف بلادنا أن يكون في أراضيها، ومن خلال هذا الاهتمام أيضا بتسهيل أعمال الحج والعمرة، فالطرق السريعة والأنفاق والتوسعات والقطارات والمطارات إلى آخر منظومة المشاريع في مكة المكرمة، لا بد أن تأخذ من الكعبة محوراً لها وتكون قنوات تصب في خدمتها.

وتتطلب هذه السياسة الوصول إلى هدفي التنمية الرئيسيين: الإنسان والمكان، وذلك على ضوء الانطلاقة الأساسية الذي يمثلها الجزء الأول من العنوان، المشاريع تكون واقعاً نستطيع أن نراه في المكان وله منطلق أساسي، والنجاح في كل ذلك لا بد أن يكون ببناء الإنسان، فلا يمكن أن نتبنى سياسة ولا يمكن أن نقيم مشروعاً ناجحاً دون أن نبني العقل، الذي تستمر معه السياسة ويستمر نجاح تطبيقها ونجاح المشاريع وتحقيق أهدافها، فجاء العنوان مرتكزاً على ثلاث قوائم ومرتكزات أساسية شكلت وضوح الرؤية وسمو الأهداف ومعالم الطريق، تلك المقومات التي تكفل بعد توفيق الله نجاح التنمية الذي رسمته الاستراتيجية.