شرفت بتلقي ثلاثة كتب من الصديق الأديب إبراهيم مضواح الألمعي جميعها حافل وغني بمكنونات من الذكريات العطرة والملهمة لسير أفذاذ تكبدوا المعاناة في سبيل الوصول إلى ما وصلوا إليه من خدمة لأوطانهم وأهليهم بل تعدوا ذلك إلى أقطار عربية وإسلامية، أحدها "ذاكرة الطباشير" عمن تتلمذ الكاتب على أيديهم أو عرفهم في سني الطلب الأولى، والثاني "وجوه ألمعية" لبارزين من أبناء المكان ممن تخذوا من الأدب والإبداع حلة تميزهم، أو أولئك الذين كان لهم شأن في التربية والتعليم وتخرجت عبرهم أجيال من الفاعلين الرموز الآن في شتى المجالات، ونفر من ذوي التأثير الاجتماعي والصدارة في خدمة مجتمعهم والعمل على رقيه، الكتاب الأخير "العائشتان" ويشتمل على مقالتين طويلتين إحداهما عن الرائدة الأديبة المصرية ذات الأصول التركية عائشة التيمورية، والأخرى عن الأديبة الكبيرة بنت الشاطئ الدمياطية عائشة عبدالرحمن، وحقيقة الأمر أني قضيت ليلة ماتعة في القراءة والتبصر في تلكم الكتب خاصة الأخير منها الذي حوى سيرة العائشتين في لغة سردية غنية ومؤدية وغاية في الإحكام، ما جعلني أنوه لأصدقاء تربويين إلى أهمية أن تطلع بناتنا من الطالبات على ما كابدتاه الرائدتان من مشقة وعناء وعلى الأخص بنت الشاطئ التي حالت ظروفها الأسْرية وتعنت المجتمع وعاداته دون مواصلتها تعليمها في المدارس النظامية إلا بعد أن تقدمت بها السن وبعد أن اقتنع والدها بصورة ما، فجعلت تطوي صفحات الأيام تباعا تنهل من معين العلم قراءة وبحثا وتعليما حتى أصبحت الأديبة الناقدة التي لا يغيب اسمها ولا رسمها.

ما أريد الإشارة إليه هو أن جيلنا الحاضر شبه مغيب فيما يدرسه اليوم من مقررات عن تراثه الأدبي الرصين، سواء تلك الكتب الأدبية الضاربة في عمق التاريخ، أو التي صُنفت في عصور النهضة وما تلاها من مراحل أدبية لتتكون لديهم الحصيلة الثرة مما جمعه الأوائل، ولتستقيم لغتهم، ويجمل رسمهم، وتتشكل ذائقتهم، وتسمو تعبيراتهم، محاكين-في البدء- تلكم المتون الأصيلة حفظا وتقليدا واهتماما، وهو أمر يمكن تطبيقه بتخصيص مادة للمطالعة التراثية في كتب الأقدمين، فما بالك إذا قرأ الطلاب "البصائر والذخائر" أو "الأمالي لأبي علي القالي" أو "العبرات والنظرات"؟ ما شأن سيرورة اللغة على ألسنتهم وقد اعتادوا سبك ابن قتيبة أو ابن سلام الجمحي، أو الرافعي؟ العودة إلى مطالعة التراث لقراءة سير النابهين من شأنها أن ترقي سلوك الأبناء وتحيد بهم عن الترهات، فهل من مجيب؟