آمال كبيرة يضعها الفلسطينيون على المحكمة الجنائية الدولية، لإيقاف الاحتلال الإسرائيلي عند حدوده، ووقف اعتداءاته على الفلسطينيين، وإيقاف الاستيطان وطرد السكان الأصليين من أرضهم. وأخيراً خطا الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، عبر تشكيل اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة، وسط تقديرات بأن يكون شهر أبريل المقبل حاسما باتجاه تقديم القضايا ضد المسؤولين الإسرائيليين لارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

وبانضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة فإن تقديم الدعاوى فيها ضد المسؤولين الإسرائيليين لن يقتصر على السلطة الفلسطينية نفسها، إذ إن بإمكان أي أفراد أو مؤسسة تقديم دعاوى ضد مسؤولين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب، كما بات بإمكان أي دولة أن تقدم نفس الدعاوى ضد سلطة الاحتلال.

وكانت دولة فلسطين وقعت على صك يؤكد اختصاص المحكمة على الجرائم المزعوم ارتكابها "في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها القدس الشرقية، منذ 13 يونيو 2014".

ففي الثاني من يناير الماضي أودعت فلسطين صكّ انضمامها إلى نظام روما الأساس لدى الأمين العام للأمم المتحدة الذي بدوره قبل في السادس من نفس الشهر انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساس، وأصبحت فلسطين الدولة الطرف الثالثة والعشرين بعد المائة في المحكمة، ورحبت رئيسة جمعية الدول الأطراف بها دولةً طرفا في نظام روما الأساس بهذا الصفة.

وفي السابع من يناير أبلغ مسجّلُ المحكمة الرئيس عباس قبوله الإعلان الذي أودعته حكومة فلسطين، وأن الإعلان أُرسل إلى المدعية العامة كي تنظر فيه. ونظرا لمنح الجمعية العامة فلسطين مركز دولة مراقبة في الأمم المتحدة، فقد تم عدها "دولة" لأغراض الانضمام إلى نظام روما الأساس. ولكن هناك تساؤلات كثيرة يطرحها البعض حول ما إذا كانت المحكمة قادرة على الوقوف في وجه إسرائيل والولايات المتحدة، والمضي قدماً في إنصاف الفلسطينيين. لاسيما بعد أن هدد أعضاء في الكونجرس الأميركي من المؤيدين لإسرائيل باعتماد قرارات بوقف المساعدات الأميركية للشعب الفلسطيني وبقطع العلاقات الأميركية-الفلسطينية في حال إقدام فلسطين على تقديم دعاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد مسؤولين إسرائيليين.

استعدادات مكثفة

يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، واصل أبو يوسف في تصريحات لـ "الوطن" "عقدنا اجتماعات تمهيدية من أجل تشكيل اللجنة التي تضم الفصائل وقانونيين ومجتمع مدني، وفي الاجتماع الثاني صدر مرسوم رئاسي بتشكيل اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة، ومن ثم عقد اجتماع للجنة تقرر خلاله تشكيل لجان فنية وقانونية وإعلامية، وتم التأكيد على تحضير ملفين بشكل فوري؛ هما ملف الاستيطان باعتباره جريمة حرب مستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وأيضا ملف العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، لما ارتكبه الاحتلال من جرائم حرب، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وبالتالي تنبثق عن اللجنة أربعة لجان للمتابعة هي فنية وقانونية وإعلامية وإدارية من أجل متابعة كل ما يتعلق بهذه الملفات".

وكشف أبو يوسف النقاب أنه في الأول من أبريل المقبل سيتم تقديم ملفات الدعاوى ضد إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية وقال "أعتقد أن في حال دخول عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية موضع التنفيذ في الأول من أبريل المقبل سيتم دفع الدعاوى بشكل رسمي ضد الإسرائيليين".

مشيراً إلى أن اللجنة الوطنية تضم في عضويتها ما يزيد عن 40 شخصية ما بين وزراء وأعضاء في اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لحركة (فتح) وممثلين عن جميع الفصائل الفلسطينية الفاعلة، بما فيها حركة (حماس)، وشخصيات مستقلة وقانونيين وخبراء بالقانون الدولي.

جدية التوجه

من جانبه، يؤكد نائب رئيس جامعة بيرزيت، وعضو اللجنة، د.غسان الخطيب، في تصريحات لـ "الوطن" أن تمثيل الكل الفلسطيني في اللجنة هو مؤشر على جدية التوجه، وقال "إصدار هذا التشكيل بمرسوم رئاسي هو رسالة تؤكد جدية التوجه، كما أن ذلك يمثل رسالة طمأنة للجميع بأنه سيتم المضي قدما في هذا التوجه، إضافة إلى أن اللجنة تمثل فرصة للاستفادة من الخبرات والكفاءات المختلفة، وبالتالي فإن الكل يساعد في التنفيذ من سياسيين وخبراء وقانونيين".

وبدت حركة "حماس" مرتاحة لتشكيل اللجنة التي تضم أعضاء منها، داعية لإنجاحها وقال المتحدث باسمها سامي أبو زهري، "تدعو حركة حماس إلى توفير كل الأجواء لإنجاح اللجنة الوطنية المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية من خلال الحفاظ على استقلالية اللجنة ومنع أي تأثيرات سياسية على قراراتها، أو محاولة توظيفها لخدمة أهداف سياسية خاصة على حساب حقوق ومعاناة شعبنا".

من جانبه، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، هاني المصري أن إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما بتشكيل لجنة وطنية لمتابعة محكمة الجنايات الدولية هو "أمر إيجابي، لأنه يعكس إرادة فلسطينية لمتابعة وتفعيل الانضمام إلى المحكمة، وعدم الانصياع للتهديدات والضغوطات الأميركية والإسرائيلية والمناشدات الأوروبية" إلا أنه أخذ على اللجنة كبر حجمها وأنها لم تضم أي شخصية متخصصة في القانون الجنائي الدولي أو القانون الدولي، مؤكدا أن المطلوب هو تشكيل لجنة رسمية وأخرى أهلية، على أن يكون هناك تنسيق وثيق ومؤسسي بينهما.

عقوبات الاحتلال

أما عن وظائف اللجنة، فيقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير د.صائب عريقات، إن اللجنة التي يترأسها تقوم بإعداد وتحضير الوثائق والملفات التي ستقوم دولة فلسطين بتقديمها وإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال لجنة فنية ترأسها وزارة الخارجية، وتقرر اللجنة الوطنية العليا أولوياتها بهذا الخصوص.

وأشار إلى أن اللجنة الوطنية العليا تقوم بمواصلة المشاورات مع المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية والمحلية ذات الصلة، ومستشارين قانونيين، ومحامين وشركات محاماة للدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة أية دعوى أو انتهاكات أو جرائم ترتكب بحقه وتقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وذكر عريقات أن اللجنة الوطنية العليا تتابع الاتصالات مع مؤسسات المجتمع المدني، إقليميا، ودوليا.

وكانت الحكومة الإسرائيلية ردت على انضمام دولة فلسطين إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية باحتجاز أموال الضرائب المستحقة للفلسطينيين منذ شهرين، وبما يصل إلى 250 مليون دولار، مما أجبر الحكومة الفلسطينية على الاقتراض من البنوك المحلية من أجل دفع جزء من رواتب موظفيها.

وتقدر أموال الضرائب بنحو 70% من دخل السلطة الفلسطينية، وهو ما يعكس حجم الأزمة المالية التي ترتبت على السلطة الفلسطينية بعد قرار إسرائيل احتجاز الأموال، وهو ما وصفه عريقات لـ "الوطن" بأنه "قرصنة وعقاب جماعي ضد الشعب الفلسطيني".

إجراءات إضافية

ويقول مراقبون إسرائيليون إنه في حال إقدام السلطة الفلسطينية على تقديم دعاوى ضد مسؤولين إسرائيليين إلى المحكمة فإن الحكومة الإسرائيلية قد تلجأ إلى خطوات عقابية إضافية. لكن أبو يوسف قال "حكومة الاحتلال تعلن الحرب ضد الشعب الفلسطيني فما الذي يمكنها أن تفعله أكثر من ذلك؟ وبالتالي ليس فقط على مستوى حجز أموال الضرائب وهي عملية قرصنة وسرقة وابتزاز لأموال الشعب الفلسطيني وللشعب ولقيادة هذا الشعب، ولكن هي تقوم بشن حرب شاملة ضد الشعب الفلسطيني ولا يمكن القبول بأن يبقى الاحتلال مستفيدا من استمرار احتلاله، وقبل يومين كان هناك إعلان عن مقاطعة منتجات الاحتلال بما فيها شركات إسرائيلية كبرى تورد منتجاتها إلى الأراضي الفلسطينية".

وأضاف "بالتالي فإن الاحتلال يشن الحرب علينا من خلال القتل والاغتيال والمصادرة والاستيطان والاعتقال ومصادرة الأرض والاعتداء على المقدسات وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية فما الذي يمكنه أن يقوم به الاحتلال أكثر من ذلك".

وردا على سؤال إمكانية تنفيذ مسؤولين إسرائيليين تهديداتهم بضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل وبخاصة تلك المقامة المستوطنات الإسرائيلية عليها، فضلا عن تقييد حركة المسؤولين الفلسطينيين، أشار أبو يوسف إلى أنها بذلك ستزيد رصيدها من الجرائم. وتابع "كل ما يمكن أن يقوم به الاحتلال ردا على خطوتنا يندرج في إطار الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني، وكل ما يمكن أن تقوم به نحن نعده إرهابا يستوجب أيضا المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، فكل ما يقوم به الاحتلال هو إجراء باطل ولا شرعية له ولا يستند إلى أي حقائق، ولذلك لا بد من المضي قدما في كل الآليات التي لها علاقة بمحاسبة الاحتلال على جرائمه".

خطوات فعلية

وتابع بالقول "الإدارة الأميركية تتبنى موقف الاحتلال الإسرائيلي وتحاول أن تتساوق مع الاحتلال لاستمرار العدوان ضد الشعب الفلسطيني. ولكن علينا عدم الانصياع للضغوط الأميركية والإسرائيلية، وبالنسبة لموضوع المحكمة الجنائية الدولية فإن الأمر انتهى الآن فلا عودة للوراء وقد تم تشكيل اللجنة والتحضير للملفات التي ستقدم إلى المحكمة".

وأشار محللون إلى أنه بعد انضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة، فإن تقديم الدعاوى ليس حكرا على السلطة الفلسطينية إذ يمكن للأفراد والمؤسسات تقديم الدعاوى ضد المسؤولين الإسرائيليين على جرائم ارتكبت بحقهم سواء بالاستيطان أو من خلال القتل والاعتقال وهدم المنازل.

ومضى أبو يوسف بالقول "يحق للأفراد والمؤسسات تقديم دعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي وممارساته وجرائمه ضدهم، ولن يستطيع أحد أن يمنع أي شخص من تقديم دعاوى ضد الاحتلال. اللجنة الوطنية تحاول أن ترتب ملفات قانونية وفنية وكل ما يضمن نجاح هذه الملفات لدى تقديمها إلى المحكمة".

وكانت المدعية العامة في المحكمة أعلنت الشهر الماضي الشروع في فحص أولي حول الوضع في فلسطين، ما أغضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأثار غبطة الفلسطينيين. ففي 16 يناير الماضي، فتحت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، دراسة أولية للحالة في فلسطين. وأشارت المحكمة الجنائية الدولية إلى أن الدراسة الأولية ليست تحقيقا، وإنما هي عملية لفحص المعلومات المتاحة بُغية التوصل إلى قرار يستند إلى معلومات وافية بشأن مدى توافر أساس معقول لمباشرة تحقيق، عملاً بالمعايير المحددة في نظام روما الأساس. ويجب على المدعي العام، بموجب المادة 53 (1) تحديدا من نظام روما الأساس، أن ينظر في المسائل المتمثلة في الاختصاص والمقبولية ومصالح العدالة للتوصل إلى هذا القرار. وينظر المكتب حسب الأصول في جميع الدفوع والآراء المنقولة إليه في أثناء الدراسة الأولية، مسترشدا بصرامة بمتطلبات نظام روما الأساس عند ممارسته ولايته باستقلال وتجرد.


الاتحاد الأوروبي: غياب السلام يزيد معاناة الضفة وغزة

حذر ممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية جون جات راتر من أن "غياب اتفاق سلام شامل واستمرار الغموض السياسي والقيود المفروضة على حرية الحركة والتنقل أحدثت أثرا سلبيا جديا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية وغزة". وقال "نشدد على دعواتنا إلى المشاركة في الجهود من أجل الدفع باتجاه أفعال عادلة ومستدامة من أجل إعداد المسار نحو حل الدولتين، وبدون ذلك فإن الفلسطينيين، خاصة في غزة، سيستمرون في العيش في معاناة وبدون أمل".

من جهة أخرى، فصادقت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء الإسرائيلية في القدس على تحويل 546 دونما من الأراضي الفلسطينية في بلدات عناتا والعيساوية وشعفاط في القدس الشرقية المحتلة إلى مكب لإلقاء مخلفات بناء.

وندد عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون القدس أحمد قريع بهذا الإجراء العدواني، واصفا إياه بانتهاك صارخ الذي يضاف إلى سلسلة الإجراءات والانتهاكات الإسرائيلية لتهويد مدينة القدس، مؤكدا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تريد من خلال هذا المخطط تعزيز النفوذ الإسرائيلي التهويدي بأشكاله وأساليبه كافة.