في لقاء مهم مع الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن استمتعت بفهمه العميق لكل الأوضاع المحيطة بنا، وكنت قد تابعته في لقاء مع قناة bbc في بداية الثورات العربية، وتمنيت أن أشكره على مخاطبته للعقل الغربي برقي وفهم عميقين.

ولكن ما يجب أن يفهمه الجميع هو أن قضية فلسطين هي قارب النجاة لكل أصحاب المشاريع السياسية، حتى اختلط الأمر على المواطن العربي والمسلم نتيجة مخادعة الأنظمة الغربية في القضية الفلسطينية، وتنصلها عن التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية التي كانت سببا رئيسيا في وجودها، ولهذا صار المواطن العادي ما إن يسمع صوتا من الغرب يتحدث عن أي شيء حتى يعتبره كاذبا وجزءا من مؤامرة كبرى هدفها ذبح العرب والمسلمين، والسنة بالتحديد، وبالرغم من إنكار الغرب لتورطه في الكثير من القضايا والمشكلات التي تمس الشعوب العربية والإسلامية، ونفيه المستمر عن أنها حرب صليبية ضد المسلمين، يسأل الإنسان العربي نظيره الغربي: لماذا أتيتم إلى بلداننا بجيوشكم؟ ولماذا تمارسون سياسات تضربون فيها العرب والمسلمين ببعضهم وتدعمون الاحتلال؟ إضافة إلى السطو على مصالحهم وأراضيهم وتعمد إهانتهم! ويعزز هذا الشعور لدى الناس ممارسات الغرب المعلنة وغير المعلنة في الحروب التي يخوضونها في كل مكان في الأوطان العربية والإسلامية. واليوم ليس الوضع كما كان عليه قبل سنوات، فالمواطن يحصل على المعلومة ونقيضها، وهو من يحلل ويستنتج ويحكم على كل الأفعال والأقوال من أي جهة كانت. وقد تعرض العرب والمسلمون للكذب من بعضهم البعض ومن خارجهم، حتى أصبح كل شيء مشكوكا فيه، ولم تعد المصداقية محصورة أو حصرية لأي جهة بما فيها التيارات التي استخدمت الدين لأغراضها السياسية، لمعرفتها أنه الطريق الوحيدة لتجنيد الشباب المهمل والمحبط من السياسات التي يراها تمس مستقبله وواقعه. لهذا يدعم الشباب كل من يدعي أنه يدافع عن الدين وعن الأماكن المقدسة، وأولها قضية فلسطين المغتصبة من قبل الغرب الذي وهبها بقرار وعد بلفور البريطاني وبدعم أميركا وفرنسا وأخواتها من دول الغرب.

ومن هذا المنطلق يبرر الشاب تحالفه مع أي قوة شيطانية ما دامت تتصدى لسياسات أميركا والغرب وتريد تحرير فلسطين التي مهما عقدت حولها الصفقات وتحدث عنها صناع القرار فهي قضية عقائدية عند المسلمين في قرآنهم لن ينسوها مهما تعاقبت الأجيال، وتبدلت الحكومات، وشنت الحروب، لأنها أول قبلة للمسلمين، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبها سيلتقي المهدي وعيسى عليهما السلام، ولا مفر من هذا الفكر الديني الذي يتعبد به المسلم ربه مثل المسيحي الذي يؤمن بعودة المسيح ويرى الاحتلال تمهيدا لعودته. وحسب مفهوم الحديث الشريف، فسوف يقاتل المسلم والمسيحي اليهود من أجل قضية فلسطين. لهذا عرف أصحاب المشاريع السياسية هذه القناعات وسخروها لتجنيد الشباب في مشاريعهم السياسية باسم فلسطين والقدس الشريف. ومن هنا جاء رد الملك عبدالله الثاني على أسباب انخراط الشباب في التيارات السياسية التي تستخدم الإسلام للوصول إلى السلطة بأن "كل الطرق تؤدي إلى القدس"، وأن الدين هو أسهل وسيلة وأكثرها فاعلية في جذب الشباب العربي والمسلم الذي يعاني من السياسات الدولية التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية.

وقبل تمتعي بلقاء الملك التلفزيوني بساعات، ركبت مع سائق تاكسي باكستاني يكاد يختنق من سياسات أميركا وقتلها الأبرياء في باكستان وأفغانستان، وأوضح لي تحليلا مخيفا عن سياسات أميركا في تلك البلدان بلغة إنجليزية مكسرة ولكنها معبرة. وذكر أنه كان مع من جاهد ضد الروس في صفوف أميركا حين كانت تدعم طالبان لإخراج الروس من أفغانستان، واليوم تحولت طالبان إلى عدو الأميركان، وأصبح الروس والصينيون يدعمون طالبان ضد أميركا. وواصل قوله إن أحد أقاربه الذين كانوا يعملون معه في دبي اختفى صدفة نتيجة شعوره بالغبن من اغتيال أميركا لأحد أقاربه في الغارات الجوية، وصدفة يتصل بهم من سورية، وقد انضم إلى داعش!! وهذا حال الكثيرين من المتضررين. وهذا يتفق مع كلام الملك عبدالله - رحمه الله - عن كيفية تجنيد الشباب مع "داعش" ومن يقف خلف التنظيم. إنها الممارسات الخاطئة والسياسات التي تنتج الأعداء الجدد لمواجهة السياسات الأميركية والغربية التي يراها الناس مشاريع حرب إبادة صليبية بأيد عربية وإسلامية. والنفي أحيانا من الدوائر الغربية يؤدي إلى تأكيد الظن لدى الكثير من الشباب الذين يبررون خروجهم للجهاد بأنهم يدافعون عن الأمة في ظل عدم قيام الدول بالدفاع عن القضايا الرئيسية وفي مقدمتها قضية فلسطين. وهم يرون أن أسباب التطرف والإرهاب نتجت عن بعض الدول العربية والإسلامية بعد سقوط الدولة العثمانية حين تبنت مرجعيات غربية علمانية، وأقصت الإسلام نتيجة ممارسات الأتراك وتعاطف بعض الإسلاميين مع العثمانيين، وخشيتهم من عودتهم للحكم، فكان كل ما هو إسلامي غير مقبول في السياسة. وقد نتج عن ذلك شعور الناس بأن الدول ضد الدين. ومن هنا استغل البعض إهمال الدول للدين وعدم مأسسته، وتبنت بعض التيارات الدين كوسيلة للوصول إلى السلطة. وقد تعاطفت معها الشعوب بشكل أو بآخر، ورأى الشباب أن من واجبهم الديني الالتحاق بتلك التيارات السياسية، لأنها ترفع شعارات دينية تدافع فيها عن القضايا الإسلامية، وأنها سوف تنتصر وتنشر العدل وتعيد الدين لحياة الناس دون النظر في تصرفات وممارسات تلك التيارات.

ودائما البوصلة للجميع تتجه إلى القدس. هذه حقيقة كل مسلم مهما تنوعت وتعددت المذاهب فأولى القبلتين تحت الاحتلال، وهذا يعني استمرار الحرب الصليبية لدى الشباب في جميع التيارات. وهم يؤمنون أيضا أن المشكلة ليست قوى الاحتلال على الأرض، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الدول الداعمة لكل أشكال الاحتلال.