كُلِّف مدير إحدى مدارس جدة بإدارة مدرسة أخرى كان يسمع عنها وعن أحوالها المتخبطة، بدأ متوجساً خيفة من التعيين الجديد، وشرع في دراسة استطلاعية سريعة، المعلمون يعلوهم التجهم المفعم بنبرات الإحباط وعدم وضوح الأهداف التعليمية، بيئة مدرسية متهالكة، جدران متشققة، حوائط السور الداخلية والخارجية بها ما يكفي (ذكريات) جدة وأهلها مجتمعة وبشتى ألوان الطيف، الفصول غير مؤهلة، عمال نظافة هاربون. بدأ أول اجتماع له وأنهاه تعارفاً سريعاً بابتسامة، خرج المعلمون متأرجحة آراؤهم، إنه طيب، بل إنه أضحوكة ودون هيبة وسترون، ستكون المدرسة أسوأ منها في عهد من كان قبله..!
خرج يومه الأول متأخراً في اجتماع آخر مع وكلائه ليضع استراتيجياته، وفي يومه الثاني وحتى نهاية العام وهو مازال بابتسامته المعهودة عند المدخل الرئيس للمدرسة، حيث لا يمر معلم أو طالب أو ضيف إلا والابتسامة هي من تصافح قلوبهم.
كان يرى بعض المعلمين عابسين عند دخولهم المدرسة، يسألهم عن أحوالهم، بل إنه جعل البعض يعود لمنزله إن أحس أنه محتاج لذلك، لم يسمح لأحدٍ من المعلمين والطلاب بالدخول إلا بعد رد الابتسامة.
كانت تلك المدرسة (مدرسةً أولى بالرعاية) - مصطلح يطلقه التربويون على المدارس التي تحتاج دعماً فنياً من قبل الإشراف التربوي - حتى أصبحت وفي عام واحد بابتسامة من المدارس الرائدة النموذجية كما يسميها تعليمنا، تحولت ساحات المدرسة لملاهٍ وأركان لهوايات الطلاب، السور الداخلي للمدرسة رسم عليه الطلاب أجمل اللوحات والعبارات بدلاً من الذكريات، ازداد عدد الطلاب المتفوقين والمعلمين المتميزين... أصبح شعار الجميع (الابتسامة) سر نجاح صنع مدرسة جاذبة.
تأتينا الأسئلة هنا تباعاً.. هل نستطيع صناعة مدارس جاذبة تلهب قلوب طلابنا قبل عقولهم، وأن نكون علاقة بينهم وبين أضلاع مربع - طاولة وكرسي وسبورة وقلم - يمرح طلاب ومعلمهم بين تلك الأضلاع، ليقضوا كل يوم علاقة لا تجعل ذلك المربع ينكمش أو يكسر أحد أضلاعه، علاقة لا تحدها تعليمات وأوامر وخطب رنانة داخل الفصل أو فناء المدرسة يقودها صوت (التعاميم) كل أسبوع ويوم، واجبات عديدة تتنافس عليها كل مادة ومعلم، شنطة مثقلة بكتب يتجاوز فهرس كتاب واحد منها عدد أصابع يد طالب انتفخت عروقها ألماً وثقلاً في الحضور والانصراف! تعليمات صارمة بعدم بروز أسنان أي طالب بحجة الهيبة ووجوب جدية المتعلم، وفقد مروءة المعلم، قلق ورهبة واختبارات وأدوات قياس متباينة ، بيئة روتين تعليمية، شرود ذهني داخل الفصول الدراسية، ولا مبالاة بكيفية التعليم.
تلك صور متناثرة التوصيف لكثير من مدارسنا، نحن بحاجة إلى جهود لسد الفجوة الناتجة بين الطالب والمدرسة والحياة التلقائية الطبيعية التي يعيشها خارج المدرسة ليتعايش معها داخل المدرسة أو على الأقل لا تقل عنها، حياة طلابنا مليئة بالمرح والضحك والسرور، وعند دخولهم للمدارس نجد الوجوه تغيرت والملامح بئست، والحياة يئست، حتى المعلمين والمدير أسفاً تجدهم داخل غرفة المعلمين يحملون ابتسامات، وتبادل النكات مع بعضهم، وعند دخولهم للفصول وقد تحول كثير منهم إلى محاربين بنوع مختلف من أوامر وتهكم وصوت عال ...
نحن لا نطالب هنا بفقد هيبة المعلم، وهي ليست كذلك، ولكن السوأل الأهم هل لن يتعلم الطلاب تعليماً جيداً أو لن يحترم الطلاب إلا كل معلم متجهم أو قاسٍ في تعامله وألفاظه وتصرفاته ؟
أعتقد لو كان ذلك صحيحاً لكان خريجونا ينافسون على ملء لوحات شرف هارفارد و أكسفورد وأعضاءً في وكالة ناسا... ولما رأينا بعض المشاهد المؤسفة التي تحصل بين فترة وأخرى من اعتداءات وشغب في مظاهرنا الاحتفالية .
الاتصال التفاعلي بين المعلم والطالب ليس علاقة إرسال معلومات واستقبالها فقط، بل يجب أن يحيطها الاحترام والحب من جدران الفصل الدراسي الأربعة , لماذا لا نصنع الفرح لطلابنا؟، لماذا لا نبتسم في تعليمنا حتى نشعرهم بالأمان التعليمي، ونسحرهم جذباً للمدارس وللبهجة والسرو؟!
ديننا الحنيف ورسولنا الكريم حثنا على ذلك، " تبسمك في وجه أخيك صدقة" فلماذا نعلمهم ديناً ونلقنهم دروساً ولانطبق ذلك عملياً داخل فصولنا ومدارسنا ؟
الابتسامة وجه حضاري يعبر عن صاحبه، وكما قيل هي مفتاح سحري لدخول القلوب، فلم لا نبدأ مشاركةً لابتسامة سمو وزير التربية والتعليم المعهودة من قبل مكاتب وزارة التربية والتعليم وإدارات التعليم ومدارسنا وتتجه لطلابنا بل لتعليمنا بأسره لنكوّن بسمة مشرقة نحو تعليم مبتسم وجاذب مذيلة بعبارة روزالين فوكس (ابتسموا فالابتسامة أقل تكلفة من الكهرباء، و لكنها أكثر إشراقاً).