من أبرز ما تميز به أسلوب عمل الدكتور القصيبي وزير العمل السابق رحمه الله الوضوح لحد الشفافية، فغازي يفصح عما في قلبه بل وما في رأسه أحياناً ليس فقط لكبار المسؤولين في الحكومة أو كبار المسؤولين في وزارته، أو معارفه وأصدقائه، بل حتى للمهمشين والبعيدين، بل وربما الأعداء، لدرجة أن من يعمل ساعي بريد أو عامل قهوة، أو ربما كاتبا أو رسام كاريكاتير مغمورا سيشعر من خلال طريقة تعامل الدكتور غازي معه أنه قريب إلى نفسه وقلبه، وقد يظن أنه يؤثره على غيره بمعاملة خاصة... أما المهندس عادل فقيه أمين مدينة جدة السابق ووزير العمل الجديد، فقد اتضح لي من خلال متابعتي للحملة الإعلامية الشديدة المركزة على أمانة مدينة جدة ومسؤوليها، ومن خلال ما كتب عن عادل فقيه نفسه بعد سيول جدة الشهيرة أنه كتوم صامت لا يفصح عما في قلبه، بل ولا عما في رأسه، ويعمل بطريقة (القافلة تسير).. أي إن الدكتور غازي كان واضحاً أكثر من اللازم والمهندس عادل فقيه كان غامضاً أكثر من اللازم.
ولأن الدكتور غازي كان واضحاً، ما في قلبه على لسانه وقلمه فقد كان مكثرا من الأحاديث الصحفية والتصريحات، بعكس عادل فقيه، وقد اتضح هذا الفارق الضخم في الأسلوب بين الاثنين من خلال ما عمله كل منهما بعد تعيينه مباشرة في وزارة العمل، فالدكتور غازي شمَّر عن قلمه ولسانه وساعديه فوراً أمام الجميع واندفع بقوة (الكلام) لتحقيق الهدف النبيل الذي هو تحجيم البطالة، فكتب بنفسه وبقلمه في اليوم التالي لتعيينه بيانه الثوري الشهير الذي نشرته وسائل الإعلام الذي أفصح فيه عن تصميمه القوي على الاتجاه بسرعة الصاروخ نحو الهدف، وأنه سيعمل بطريقة (البلدوزر) وحذّر كل المتضررين من الوقوف في وجهه لأن (البلدوزر) ببساطة سيدوسهم... أما المهندس عادل فقيه فقد جاء للوزارة (سكاتي) وأعطى مسؤولي الوزارة فرصة رؤيته والسلام عليه، ثم اختفى وتكرم وهو في خلوته بكلمتين أو ثلاث لمن سألوه عما سيفعل حين قال إنه سيستمر صائماً عن الكلام مدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد سيتفرغ خلالها للتأمل والاستماع والقراءة والبحث والدراسة أي إنه أعطى نفسه إجازة طويلة من وجع الرأس إلى حين.
هذان النهجان المتباعدان جداً.. نهج في أقصى اليمين... ونهج في أقصى الشمال... لابد أن يكون لكل منهما نتائج مختلفة.. ونتائج نهج الدكتور غازي الذي مضى إلى رحاب ربه عرفناها.. ونحن الآن نترقب نتائج نهج المهندس عادل فقيه.
قد تكون نتائج نهج الدكتور غازي ليست في المستوى المأمول.. بل إنه هو نفسه اعترف بذلك.. ولكنه لا يبرر عدم النجاح بأسلوبه بل بأمور أخرى، ومعنى ذلك أن تلك الأمور الأخرى.. أو على الأصح تلك العوائق الشديدة هي المسؤولة عن التعثر وليس أسلوبه.. وكون أسلوب المهندس عادل فقيه على النقيض من أسلوب الدكتور غازي فلا يعني هذا بالضرورة أن طريقة عادل فقيه ستكون أكثر نجاحاً في مواجهة تلك الأمور الأخرى (العوائق الشديدة) فقد تكون أنجح قليلاً أو كثيراً، وقد تكون أسوأ وأكثر إخفاقاً قليلاً أو كثيراً.
الحكم على تجربة الدكتور غازي أصبح متيسراً الآن، أما الحكم على تجربة المهندس عادل فقيه فسيتطلب وقتاً طويلاً.. لكن أظن أنه سيكون هناك مقدمات ومؤشرات سريعة ستمكن المتأملين من إصدار أحكام ابتدائية على تجربته، وسيأتي على رأس تلك المقدمات موقف المهندس عادل فقيه من ذلك الملف الضخم الجاثم الآن على (صدر مكتب) الوزير، وهو تأنيث المحلات النسائية، الذي ناضل الدكتور غازي كثيراً من أجله ثم اضطر لوضعه على قائمة الانتظار، فإن وجد المهندس عادل في نفسه الشجاعة لفعل ما لم يستطعه الدكتور غازي فسيكون هذا من مؤشرات نجاح أسلوبه وإن حصل العكس فأحاله إلى الأرشيف فهذا مؤشر آخر في الجهة المعاكسة.
الدكتور غازي جاء من أقصى اليمين... حيث دهاليز الجهاز الحكومي.. ومطابخ صناعة الأنظمة والتوجيهات... جاء من خندق المستهلك بهمومه وشكواه المستمرة من جشع القطاع الخاص.. أما المهندس عادل فقيه فقد جاء من أقصى اليسار حيث القطاع الخاص المقاوم بطبعه لأنظمة الحكومة التي تحاول أن تحد من أرباحه، وحيث الشطارة في الالتفاف على الأنظمة لتعظيم الأرباح، فما تأثير ذلك... هل يكون عادل هو المحامي كما فعل غازي ولم ينجح، أم يكون الخبير القدير..؟
أمر واحد يتفق فيه المهندس عادل مع الدكتور غازي وهو المبادرة في إيجاد صيغة لتحديد حجم البطالة، فالدكتور غازي بادر بعد تعيينه بالإعلان في وسائل الإعلام طالباً من كل طلاب العمل الكتابة للوزارة، وأعد سجلاً بذلك، لكنه بعد أن وصلت الأعداد إلى مئات الألوف لم يواصل مشروعه والمهندس عادل فقيه شرع الآن في ذلك بأسلوب أحدث هو الـ(Facebook) فقد أعد له صفحة وطلب الاتصال به، وقال هو كما قرأت له إن (أصدقاءه) من طالبي العمل وصلوا إلى خمسة آلاف، وإنهم سيصلون خلال شهر أو شهرين إلى خمسين، وأظن أنهم سيصلون إلى مئات الألوف قريباً وسيضطر إلى إيقاف المشروع كما فعل الدكتور غازي.
الدكتور القصيبي مع كونه جاء من أقصى اليمين الحكومي حيث مطابخ الأنظمة ودهاليز التشريعات فإنه لم ينجح في استصدار الأنظمة القوية الصارمة وآليات التنفيذ القوية التي تساعده في إنجاح مشروعه، فهل يستطيع ذلك عادل فقيه الذي جاء من قطاع يقاوم الأنظمة ويلتف عليها.. وأخيراً فإن من أكبر معوقات مشروع القصيبي أنه لم يستعن بالأجهزة الأمنية، فهل يستطيع عادل فقيه أن يجعلها داعمة ومؤازرة...؟؟ باختصار.. هذا الأسلوب المختلف لعادل فقيه هل سيكون هو الأنسب لوزارة العمل، أم إن العكس سيكون هو الصحيح..؟؟