في كل مرة أذهب فيها إلى منطقة عسير أعود بطاقة إيجابية وبكثير من الحب والسلام، لكنها لم تكن كذلك هذه المرة.. وليس بسبب عسير، بل بسبب من أكرمتهم ومنحتهم فرصة لا يستحقونها للتوغل في آثارها.

فرصة كنت أنتظرها، بل أتمناها وهي اللقاء بالفرنسي تيري موجيه، نعم التقيت به.. نعم حدثته عن إيميل سبق وأن أرسلته له عام 2007 عندما كنت أقوم بعمل بحث درجة الماجستير وكانت إجابته "لا أذكر". قررت لحظتها أن يكون إنعاش ذاكرته أمام جميع من حضر #عسير_حلة_العمران.. كنت أنتظر اليوم الثالث من هذه التظاهرة كي أقول للجميع، هذا وطنكم.. هذه أرضكم.. دمكم ولحمكم، لن يحميه غيركم..

كنت سأروي لهم حكايتي (لم أكن قد بلغت حينها 18 عاما، لكن اهتمامي بالفن والتصميم دفع أهلي لتحمل مصاريف مدرسة خاصة تذهب بي من معرض إلى معرض ومن تظاهرة فنية لأخرى، لقد كان معرض الصور الفوتوجرافية في السفارة الفرنسية بحي السفارات بالرياض من أكثر المعارض الملفتة لما يحويه من ألوان، ونحن في طريقنا للخروج قابلت المصور، سلمت عليه ثم سألته: "أعلم أن هذه الصور في المكسيك، لكن في أي مدينة تحديدا"؟

ما اسمك؟ هكذا أجاب! قلت له هيفاء الحبابي، رد قائلا قحطانية ولا تعرفين وطنك..! هذه الصور من بلادك بلاد قحطان. وقع كلامه عليّ كوقع السيف، ومن يومها قررت أن أدرس هذا الفن وأن آخذ على عاتقي نشره وتعريف العالم به. مرت الأيام وعدتُ السنين وجاء يوم ذهابي إلى منطقة عسير، وأخذت كغيري أبحث عن المنازل الملونة، منازل "تيري".. لم أجدها ولكنني وجدت عوضا عنها الحقيقة، نعم الحقيقة.. فما قام به تيري للأسف لم يكن حقيقيا.. لم تكن عسير! ولم ينقل الواقع، وكل ما فعله كان من أجل أن "تطلع الصورة حلوة" هذا ما حدث بالضبط، حاولت التمسك بآخر قشة -حقه في الرد- وفعلا توصلت لإيميله بعد مجهود وكان رده عليّ: "آسف لقد مر زمن طويل على هذا الموضوع ولا أتذكر، وهذا فصل في كتاب حياتي أقفلته تماما".. احتفظت بالإيميل لإرفاقه بالبحث").

لم يرد القدر أن يغلق قصتي مع تيري، ولا أعلم هل هو سوء حظه أو حسن حظي الذي جمعنا في قرية العكاس في منطقة عسير، حيث تمت دعوتي إلى مشروع واعد قام عليه كل من دار الحكمة والهيئة العامة للسياحة والآثار ممثلة في التراث العمراني، والاتحاد الأوروبي في كل من القنصليتين الفرنسية والألمانية.

ومرة أخرى يتكرر الخطأ ذاته ويدعى تيري ليحكي عن تجربته الغنية الفريدة في منطقة عسير التي نال عليها درجة الدكتوراه في الأنثربولوجيا (علم الإنسان)!

لكني لم أستغرب دعوته حيث من قام على المشروع ودعا إليه رئيس قسم العمارة في جامعة دار الحكمة، وهي ألمانية ومثل غيرها كل ما عرفته عن عسير كان من خلال كتاب تيري!

لكن ما حدث لنا في منطقة عسير سار بما لا تشتهي السفن، ومن حسن الحظ أيضا أن (القنصلية الفرنسية) جعلته يلقي المحاضرة في الفندق بسبب عدم تمكن الطالبات من الحضور إلى قرية العكاس في اليومين الثاني والثالث، ولن أدخل في أسباب عدم السماح للطالبات بالذهاب هناك لأنني فعليا لا أعلم السبب، لكني أعلم جيدا أنه كان السبب الذي منعني من الحضور في اليوم الأخير وإنعاش ذاكرة تيري (المهندس بوزارة الدفاع الفرنسية والمصور وباحث الأنثروبولوجيا).

لذا كتبت لعل عسير تسامحني.