عندما تستعرض القنوات الفضائية العربية التي تتخصص في البرامج الثقافية والفكرية، تجدها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في أغلب الأحوال. ولكن أشهرها حاليا ـ في اعتقادي ـ قناتي "النيل الثقافية" و"السعودية الثقافية"، بحكم أنهما الوحيدتان اللتان تركزان كل برامجهما على الثقافة والفنون. ولأن ما يهمنا هنا في المملكة هو ما تقدمه "القناة الثقافية السعودية" التي واجهت ـ وهذا أمر طبيعي وصحي ـ في بداية انطلاقها وحتى الآن إشادات من البعض وهجوم من آخرين لأسباب كثيرة منها الموضوعي ومنها "المناكفات شخصية".

ولكن إصرار وحيوية القائمين عليها والروح الشابة التي تعج بها القناة وقبل ذلك دعم وزير الثقافة والإعلام لها، جعلها تستطيع تجاوز الكثير من العقبات، ولعل خروجها في اليوم الوطني برؤية وببرامج جديدة، وتقبل القائمين عليها للملاحظات وإصلاح الكثير من "الهنات" خصوصا في الإعداد والتقديم، أكبر محفز للمشاهد - الذي يهمه أمر القناة - على التفاؤل بالمزيد.

ولأن الفضاء العربي بمجمله فضاء "راقص" جسديا وخامل عقليا، فإن المجال مفتوح أمام القناة لتتميز بشكل أكبر عربيا، من خلال توسيع دائرة المشاركة العربية، وذلك في برامج ترصد واقع الثقافة العربية بعمومها، بشرط أن تدخل في عمق القضايا الأدبية والفنية المثيرة للجدل، والأهم أن يكون الحوار حولها شفافا وجريئا وموضوعيا، يلتزم المهنية الصارمة وقوة الطرح في آن معا، وهنا يمكن الإشارة إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج "المشهد الثقافي" التي ناقشت قضية "سرقة كتاب الغذامي" وهي القضية التي تعتبر الأسخن عربيا حاليا، وقد ترتفع وتيرتها في الأيام المقبلة. كذلك نجاح واستمرار برامج مثل: "المنتدى"، و"الملتقى و "صباح الثقافية"، و"المنتصف". واستحداث "صريح جدا"، و "فلكلور " و" خارج الحدود"، و"حوار جريء، و " 6×6 "، و"الثقافة اليوم"، يوحي بأن هناك إرادة جادة في خدمة العمل الثقافي إعلاميا.

وأقترح هنا أن تكون هناك برامج أخرى مخصصة "للفن التشكيلي" و "السينما المحلية" و"المسرح" و"التصوير" الضوئي، بحيث يوكل أمر إعدادها وتقديمها لمتخصصين في المجال نفسه، بشرط الاستقصاء جيدا عن المعد والمقدم، فلا يتم اختيار إلا المتمكن والمحايد.

ولكي تستمر القناة في تقديم الجديد والمتميز فإن أهم الأمور التي يجب أن تضعها وزارة الثقافة والإعلام في حساباتها، هي قضية توفير دعم مالي ثابت ومتنامٍ للقناة من خلال جلب الشركات والمؤسّسات لرعاية البرامج المميّزة إعلانيّاً، وألا يبقى الأمر معلقا بالاعتمادات الماليّة الرسمية التي يدعمها الوزير ووكلاؤه، وأن تكون هناك خطط مستقبلية بعيدة المدى تعلن من الآن، ويعمل عليها بشكل مؤسسي.