كانت قناة الـ"إم بي سي" تقدم برنامجا رائعا ومؤثرا عنوانه "يالا شباب" يخاطب المراهقين والشباب بشكل عام، هذا البرنامج كان فكرة من الشيخ حمزة يوسف، ولمن لا يعرفه هو أميركي أسلم في السابعة عشرة من عمره، وكان سبب إسلامه حديثا عابرا مع شرطيين أسودين على قارعة الطريق في كاليفورنيا. حمزة ابن أستاذ في جامعة هارفارد ووالدته مثقفة خريجة أرقى الجامعات الأميركية، لكن حديث المسلمين غيّر حياته بالكامل وجعله يبحث عن الدين الذي يعتنقه هذان الشرطيان والمسمى "الإسلام"، ليصبح بعد كل هذا أحد أهم دعاة الإسلام في أميركا والعالم.

المتحدثون للشباب من أصحاب التجارب الحياتية هم أداة تعليمية مهمة اكتشفها الغرب، وأسس معايير وكيفيات مميزة لتطبيقها، وهو الذي لم يحدث في عالمنا العربي، خاصة السعودية، حيث كانت وزارة التربية في فترة ما متحمسة جدا للفكرة، ولكن لدعوة فئة معينة إلى الحديث مع الشباب، وفتحت الباب على مصراعيه لها، وكان علينا كأولياء للأمور أن نحل مشكلات أبنائنا خاصة النفسية بعد كل زيارة يقوم بها هؤلاء، خاصة أن غالب حديثهم كان عن موتى اسودت وجوههم وتمزقت أشلاؤهم بينما "أم كلثوم" تغني "أنت عمري". في الواقع إذا كنت محظوظا فسينسى طفلك ما قيل سريعا ويعود إلى حياته وهو ما يحدث غالبا، لكن الأزمة الكبرى عندما يجد الابن طريقه للتواصل مع هذا الشخص في غفلة منك، وهو ما حدث للكثير من العائلات السعودية التي كان شبابها ضحية لقرارات وزارة التعليم.

فيما بعد غيرت الوزارة طريقتها وأغلقت الباب نهائيا أمام المتحدثين، ولم يكن ذلك حلا أبدا، لعدة أسباب أهمها أن الشباب سيبحثون عمّن يتحدث إليهم، خاصة من يضع يده على همومهم وآلامهم ويلامس عواطفهم، فإذا لم يجدوه في المدرسة سيجدونه في تويتر، خصوصا مع توسع الشبكات الاجتماعية وثورة الحديث والحوار وحديث كل الناس عن تجاربهم، وللأسف بقيت وزارة التربية عالقة في رفضها القديم!

إن الهجوم - كما يقولون- خير وسيلة للدفاع، فإذا كانت الوزارة تريد حماية الشباب من الفكر الضال فلم لا تدعو أصحاب الفكر النيّر والمتميز؟ ولن تجد مشكلة في حصر الأسماء، فهناك آلاف الأشخاص في بلادنا يستحقون الدعوة والثقة ويملكون من الثقافة والرأي النير ما يجعلنا نرجو أن يجد أبناؤنا فرصة الحديث معهم.

هناك شخصيات عظيمة لا أظنها ترفض دعوة الوزارة، مثل الدكتورة ريم الطويرقي، تصور عزيزي القارئ أن شخصية مثل الدكتورة ريم لم يسبق لها تلقي دعوة من مدرسة بنات للحديث عن تجربتها ونجاحها، كما عليك أن تتصور كم سنغير من حياة مراهقة تصبح ريم الطويرقي قدوتها؟

أيضا اللاعب ماجد عبدالله حتى الآن لم أسمع أنه تمت دعوته للحديث مع الشباب الذين لا أشك في أنهم يعرفونه ويعرفون تاريخه، حتى مع مرور الزمن ما زال ماجد بتميزه ورقيه في ذاكرة ألسنة الناس، والدليل أنه عندما فتح حسابا في تويتر أصبح يتبعه الآلاف في غضون ساعات، كما أن هناك من الرياضيين من يستحقون الدعوة، خاصة الملتزمين منهم.

كما أن المثقفين من الكتّاب سيكون لهم تأثير بالغ مثل تجربة الكاتب الرائع ماجد الجارد الفائز بجائزة حائل للرواية، وهو شاب كفيف لكنه ناجح وصاحب تجربة حياتية غنية.

كذلك سنجد الكثير من القيادات في مجلس الشورى تستحق الدعوة، وربما لو قدم مجلس الشورى برنامج زيارات يقوم بها أعضاؤه للداخل موجهة للشباب، خصوصا بالمدارس والجامعات سيكون أجدى لنقل رؤية الحكومة إلى الشباب.

في الحقيقة، نحن نفوّت وسيلة عظيمة لإغناء تجربة شبابنا ومنحها نتائج تجارب عاشها الآخرون، في الوقت الذي يوجد فيه من مجتمعنا من يستحقون أن يتحدثوا ويقدموا للشباب ما يرسم خططهم المستقبلية ويوجهها التوجيه الغني والسليم.