حدث ثقافي هام ذلك الذي شهدته المملكة العربية السعودية على مدار الأسبوعين الماضيين، إذ انبعث سوق عكاظ من جديد، ليجمع الشعراء والأدباء والفنانين، والمثقفين بشكل عام، من كل مكان، من داخل المملكة وخارجها، في كرنفال إبداعي بهيج يجسد الماضي، ويحتفي بالتاريخ المجيد، فتتجلى هيبة الفكر والثقافة والفن حين تحركها فعاليات كبرى على شاكلة هذا الحدث.
ولأن راعي هذا الحدث الكبير هو الأمير خالد الفيصل، فلابد أن يكون للمستقبل إشراقاته التي لابد أيضاً أن تكون واقعية واستشرافية ومبهرة في آن واحد، إذ يلفت هذا الرجل المسؤول/ المفكر/ الشاعر/ الفنان، إلى أمر في غاية الأهمية، ألا وهو عدم الركون التام إلى الماضي واجتراره بشكل أساسي في مناشط هذا المهرجان الكبير، بل ينبغي أن يكون للحاضر دور لا يقل عن عظمة الماضي، إذ يشهد الحاضر أيضاً على طفرات كبيرة من التقدم في شتى المجالات، ولابد أيضاً أن يكون هناك قراءات للمستقبل الذي تتضافر كل الجهود لصناعته للأجيال القادمة، ومن ثم شدد كثيراً على ضرورة حضور الرؤى الاستشرافية إلى جانب آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا والعلم الحديث في المهرجانات المقبلة.
مثل هذه الرؤى هي التي لا أقول تصنع الحدث فحسب، وإنما تتوجه بجلال آخر، هو جلال الإرادة والرغبة في اللحاق بالعالم المتقدم، وهي رغبة لا تنحي التاريخ جانباً، بل تنطلق منه كأساس شامخ صنعه الأجداد، ليقوم الأبناء والأحفاد بدورهم في النهوض والإعلاء والتطوير، فتتسارع عجلة التقدم والازدهار.
سوق عكاظ ـ إذن ـ لن يصبح مجرد تجمع ثقافي تجاري إبداعي كما كان فحسب، وإنما سيكون تاريخياً وعصرياً واستشرافياً في آن واحد، أو كما قال خالد الفيصل: "نريده سوق عكاظ القرن الواحد والعشرين"، مما ينبئ بأننا سنكون العام المقبل على موعد مع انطلاقة فريدة للسوق، يجد فيها المبتكرون والتقنيون الشباب نصيباً من الضوء، يدفعهم دفعاً إلى مواصلة البحث عن كل ما يرفع من شأن هذا الوطن، كما ستجد فيه الرؤى الثقافية والفنية الحديثة موضعاً لائقاً بجوار التاريخ، وهذا هو التحدي الأكبر للمثقفين والشعراء والفنانين، الذين سينتظر منهم جمهور عكاظ في الأعوام المقبلة، ما يؤكد أن التاريخ لم يتوقف عن حدود المعلقات، أو الحرف القديمة، أو عروض الإبل!.